إنها الدورة الخامسة والعشرون لـ «معرض الكتاب الفرنكوفوني». ربع قرن مرّ على تنظيم هذه الفعالية الثقافية التي تحاول سنوياً تثبيت قيم الفرنكوفونية، ومقاومة المدّ الذي يحاول إخفات صوتها. وفي هذه النسخة بالتحديد، أدخلت بعض التعديلات التي تحمل رمزية هامة. فبدل أن يحتفي المنظمون (المعهد الفرنسي في لبنان، نقابة مستوردي الكتب، والسفارة الفرنسية في لبنان) بحدث مماثل في قلب العاصمة (البيال)، كما جرت العادة منذ الانطلاق، انتقل مكان الفعالية إلى «البيال/ التحويطة» في منطقة فرن الشباك، كما كان لافتاً انخفاض عدد السفارات المشاركة بخلاف السنوات الماضية. العام الماضي، كانت المرة الأولى التي تهدى فيها دورة المعرض، إلى السياسي والصحافي سمير فرنجية (1945-2017). وقتها، تصدّر الأخير غلاف الفعالية، كمحفزّ «لفكرة العيش المشترك» في لبنان. ويبدو أن الدورة الحالية، لا تختلف عن سابقاتها في حشد أبرز وجوه ما كان يعرف بـ فريق «14 آذار» في المحاور والنقاشات التي ستدور بين أجنحة المعرض المختلفة، وتحمل رسائل سياسية واضحة. تكرار واضح في الأسماء، وتدوير ضئيل في التيمات والمواضيع المطروحة، يحضر بقوة في الدورة الخامسة والعشرين. ولعلّ البارز منها توقيع وعقد ندوة نقاشية حول كتاب «في رأس بشار الأسد» (أكت سود) للثلاثي صبحي حديدي وزياد ماجد وفاروق مردم بك.
«امرأة وكتاب» لبيكاسو (زيت على كانفاس ـ 1932)

هذا العام يحمل للمرة الأولى لواء «الثقافة الرقمية»، عبر تخصيص جناح (100 متر مربع) مفتوح للطلاب وللعامة. مساحة تشارك فيها جمعيات ومؤسسات تكنولوجية، ورقمية، ومعاهد ومتخصصة في التكنولوجيا المتعلقة بالشق الثقافي والتعليمي، مع حضور متخصصين في هذا المجال من فرنسا ولبنان، أمثال ستيفان ناكتان، ريمي ريفيل، ودومينيك كاردون. كذلك، يشّبك المعرض للمرة الأولى مع فرقة «زقاق»، عبر تظاهرتها «أرصفة زقاق» (الأخبار 31/10/2018)، إذ سيقدَّم جزءاً من العروض المسرحية والفنية في «المعهد الفرنسي في لبنان».
أكثر من 80 ألف زائر/ة، و180 كاتباً/ة مدعواً، و60 جناحاً، ستحتضن النسخة الحالية للمعرض، مع مروحة متواضعة من البرمجة، تتوجه بأغلبها إلى الناشئة: من السينما، عبر عروض عدة من ضمنها شرائط تعرض للمرة الأولى، كفيلم «مغامرات سبيرو وفانتازيو» لألكسندر كوفر... إلى جناح الناشرين العرب، الذي دشّن عام 2013، متيحاً التبادل الثقافي ما بين اللغتين العربية والفرنسية، عبر وجود 15 دار نشر عربية، إضافة إلى ندوات ونقاشات مع الجمهور، والناشرين اللبنانيين، مع صدور ترجمات من الفرنسية إلى العربية. ويبقى التعويل على سلسلة التواقيع لكتاب فرنكوفون، وطاولات نقاش، تتداخل فيها السياسة مع العمارة كندوة «أسوار دمشق من التاريخ القديم إلى عصر المماليك» (10/11 ـــ س: 17:30) والصحة النفسية، ولا تنتهي عند الشعر والأدب. اللافت هذا العام، تكريم بعض الأسماء التي لها ثقلها في عالم الأدب والصحافة والسينما، عبر إطلاق أسماء على القاعات أمثال نادين لبكي، كتحية من القائمين على المعرض إلى المخرجة التي نالت جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان كان السينمائي» عن فيلمها «كفرناحوم». أيضاً، يكرّم المعرض الصحافي والخبير السياسي أنطوان صفير، وإيمي سيزار (1913 ــــ 2008) أحد أبرز وجوه تيار «الزنجية» في الشعر الفرنكوفوني ورمز الحركة المناهضة للاستعمار. التكريم أيضاً يطال وجوهاً رحلت وتركت بصمة واضحة في عالم الشعر والأدب، كإملي نصر الله (8 /11ـــ س: 17:00)، ورائد المسرح اللبناني منير أبو دبس (9/11 ـــ س: 16:00).
وللسنة السابعة، تنظّم جائزة «لائحة غونكور - خيار الشرق» من قبل «المعهد الفرنسي في لبنان»، و«الوكالة الجامعية للفرنكفونية في الشرق الأوسط». الجائزة انضمت إليها السعودية (جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن) للمرة الأولى هذا العام، إلى جانب 11 دولة أخرى (جيبوتي، لبنان، فلسطين، مصر، الإمارات، إيران، الأردن، السودان، أثيوبيا، العراق، وسوريا). تتبارى جامعات هذه الدول (عددها 33 جامعة) على قراءة ومناقشة مجموعة روايات فرنكوفونية تختارها «أكاديمية غونكور» العريقة. وبعد اختيار لجان التحكيم الطلابية (عدد 37 تترأسها للمرة الثالثة الروائية سلمى كجك)، يصار إلى انتخاب رواية واحدة فائزة (تعلن في 9/11 ـــ س: 15:00) تترجم إلى العربية، ويكرّم صاحبها أو صاحبتها في بيروت في العام التالي. هذا العام تحضر الروائية الفرنسية فيرونيك أولمي، التي فازت السنة الماضية عن روايتها «بخيتة» لتوقيعها (10/11 ـــ س: 19:00) مع صدور الترجمة العربية عن «دار المعلم». إعلان الجائزة يترافق عادة مع حضور أحد أعضاء «غونكور» الفرنسية. هذه المرة، يحلّ الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون، ضيفاً على الصالون، حيث يوقّع (9/11 ــــ س: 18:30) كتابه «العنصرية كما أشرحها لابنتي» (غاليمار ــ صدرت طبعته العربية عن «دار الساقي»). وسيكون له لقاء مباشر مع الجمهور (9/11 ـــ س: 17:30 - اغورا) تديره جورجيا مخلوف.
إذاً، انتقل مكان «معرض الكتاب» من قلب العاصمة الى ضواحيها، لكن بقيت الروحية السياسية عينها، تعبق أسماء ووجوهاً ذات خط ولون ايديولوجي واحد. تحشيد سياسي بغطاء أدبي، هذا ما دأبت عليه الفعالية الثقافية منذ سنوات، وتكرّسه أكثر هذا العام، ما يفقد المعرض الأدبي قيمته كجامع للأجنحة الفكرية المتنوعة في لبنان، ضمن مساحة سنوية، باتت محجوزة لفريق واحد على ما يبدو. تحشيد في الندوات والتواقيع، استطاع التغطية على برمجة فقيرة، في ظل غياب باقي السفارات المعنية بالحدث كما كل عام. أمر يشير إلى تراجع واضح في هذا الشق، ويظهر ضعفاً في رفع فعالية ثقافية سنوية كـ «معرض الكتاب الفرنكوفوني».

* «معرض الكتاب الفرنكوفوني» بدءاً من اليوم حتى 11 تشرين الثاني (نوفمبر) ـــ «بيال - التحويطة» (فرن الشباك) - للاستعلام: 01/420200 - www.sdlivrebeyrouth.com