أصدر المجمّع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» كتاباً تذكارياً حول رئيسه السابق هشام جعيط (1935 ــ 2021) ضمّ مجموعة من الشهادات لأكاديميّين معظمهم من طلبته أو ممّن عملوا معه في الجامعة التونسيّة وخاصة في اختصاصَي التاريخ والحضارة العربية.

الشهادات التي جاءت باللّغتين العربية والفرنسية، أبرزت الدّور الذي قام به جعيط في تطوير مناهج دراسة التاريخ وخاصة في مرحلة الإسلام المبكر كما تحدّث طلبته ممّن أصبحوا اليوم من أعلام الجامعة التونسية (أمثال وزيرة الثقافة حياة قطاط ومديرة معهد تونس للترجمة زهية جويرو) عن الخصال الإنسانية لجعيط كـ «مؤطّر في البحث الجامعي».
كما ضمّ الكتاب شهادات لعبد المجيد الشرفي وسهام الميساوي وفتحي التريكي وفوزي البدوي ومنصف عبد الجليل ونادر الحمامي، وكلّهم من المتخصّصين في الحضارة وتاريخ الأديان والأديان المقارنة وغيرها.
وممّا جاء في شهادة عبد المجيد الشرفي: «كيف لي أن أبيّن ارتقاء بحوث مؤرّخ ومفكّر ينتمي إلى بلاد متواضعة المساحة والموارد وعدد السكان إلى مرتبة المراجع الكلاسيكية التي لا غنى عنها للباحثين مهما تعدّدت مشاربهم ؛على غرار الفتنة الكبرى المنشور بالفرنسية سنة 1989 وتأسيس الغرب الإسلامي المنشور سنة 2004 وفي السيرة النبوية بأجزائه الثلاثة».
من ناحيتها، تحدّثت حياة قطاط عن جعيط الأستاذ، قائلةً: «كنّا ننتظر موعد درسك الأسبوعي بفارغ الصبر... كنّا ننتظرك أحياناً لساعات طويلة أمام القاعة من دون أن نيأس من قدومك.
كثيرون هم من وجّهوا لك اللّوم على عدم التزامك بالتوقيت المحدّد لحصصك، واعتبروه من باب التعالي، وكان هذا غير صحيح... كنت فقط مختلفاً وفريداً».
أما فوزي البدوي، فتطرّق إلى فترة إلقاء جعيط في «كوليج دو فرانس» في باريس لمحاضرات حول الفتنة الكبرى سنة 1989: «في هذه المحاضرات اكتشفت وجهاً آخر لهشام جعيط العالم الذي تجاوزت شهرته حدود بلده الصغير، كانت القاعة مكتظّة إلى حدّ كبير في كلّ مرة وكنت أرى كبار مؤرّخي الإسلام وكبار المستشرقين الذين كنّا نقرأ لهم ونحن طلاب في دار المعلّمين العليا للمرّة الأولى رؤية العين يجلسون في الصفوف الأمامية استعداداً لسماع محاضراته، وكنت أرى ماكسيم رودنسون وأندري ميكال ودانيال جيماريه ومحمد أركون ومؤرّخين كبار آخرين عرفتهم في مجال الدّراسات اليهودية مثل أندريه كاكو وشارل التواتي وغيرهما».
يمكن القول إنّ الكتاب عبارة عن شهادة عن مؤرّخ استثنائي كانت له بصماته، ليس في تونس فقط بل في مجال الدراسات عموماً.