ترجمة: سناء يازجي خلف
1- أنقذته صفارة النهاية
مهما يبدو ذلك متناقضاً، فإيمانويل ماكرون يدين لفلاديمير بوتين بظهوره الجديد على المسرح الدولي الذي تتهمه الصحف الفرنسية بتحويل شهر العسل بين كبير الآلهة الفرنسي والعملاق الورقي الأميركي للعقارات إلى شهر علقم.
عشاء خاص في منزل جورج واشنطن، مؤسس الأمة الأميركية، خطاب أمام المؤتمر، نقف ذرة غبار عن كتف الرئيس الفرنسي، عناق، قبلات، مزاح، التحام القبضتين... ذهب كل هذا هباء منثوراً... فجعجعة ولا طحين.
خلالها كانت مقالات الصحف الفرنسية تثرثر أن بوتين كان بحاجة إلى كسر عزلته وتخفيف العقوبات المفروضة عليه بسبب ضمّه القرم ودعمه الرابح لسوريا. وتناغمت معها أصوات طبقة المثقفين الفرنسيين لتكبح جماح توجه يمليه مبدأ الواقعية وكارثة السياسة الفرنسية في سوريا، محذّرةً من «تحالف يتناقض مع المصالح الفرنسية».
انظر في هذا الموضوع في الرابط التالي صحيفة La Tribune في مقالة كتبها كل من نيكولا تنزر و أوليفيه شميت ونيكولا هينان:
https://www.huffingtonpost.fr/bruno-tertrais/russie-francois-fillon-allier-serait-contraire-a-nos-interets_a_21614021/
فلا ارتفاع سعر برميل النفط (80 دولاراً) الذي أتخم الخزينة الروسية ولا الأحادية الجنونية لأكثر رئيس أميركي كراهية للأجانب منعت هذا اللقاء من تقريب هذين الرئيسين المتناقضين.
بمناسبة مضي ستة أشهر، أي منتصف المدة لانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وفي هذا اليوم الحاسم لساكن البيت الأبيض، مسح هذا الرئيس بحذائه وبصوت ملؤه العنفوان الصداقة العميقة التي تجمع بين الديموقراطية الأميركية العظيمة و«وطن لافاييت». وما كان من إيمانويل ماكرون الذي وجد نفسه فجأة معلقاً فوق هذا الفراغ السحيق إلا أن يلجأ إلى السخرية الكونية لينجو بنفسه من السقوط المدوّي.
كرزة إضافية على الكعكة تطيح بآمال ماكرون في ارتفاع شعبيته بعد تصفيات كأس العالم الأخيرة؛ «قضية ألكسندر بن علّاوة» التعيسة كشفت عن خساسة التصرّفات الإليزية وبشاعة الوجه الماكروني.
وفي نشوة الانتخابات، قام الرئيس الفرنسي الجديد بتشريف ضيفه الروسي في حزيران/ يونيو 2017 مستضيفاً إياه في قصر فرساي الفخم، ساخراً بذلك من عمل الحملة الدعائية الروسية. كان إطلاق قناة «روسيا اليوم» في فرنسا قد أدى إلى موجة غير مسبوقة من السخط في أوساط طبقة الصحافيين التي نشأت بفضل تمويل رؤوس الأموال أو من ميزانية الإعلام المرئي البصري المملوءة من جيوب المواطن الفرنسي. إليك بعض الأمثلة لا كلها التي تشهد على ذلك: France télevision, Radio France, France 24, RFI, RFO, TV5 CFI، بينما يقع الإعلام المكتوب تحت وطأة الرقابة الرأسمالية المدعومة من المال العام: le Monde يملكها الثلاثي BNP ((Berger, Niel, Pigasse ،le Figaro يملكها Dassault, aviation ،Libération-l'Express، يملكها Patrick Drahi, téléphonie mobile le Point يملكهاFrançois Pinault ، Les Echos يملكها Bernard Arnault، مجموعة Canal + يملكها Vincent Bolloré الباحث عن أفريقيا التي «لمّا تدخل التاريخ» وفق تعبير ضيفه على اليخت نيكولا ساركوزي.
إليكم عيّنة من الأدب الصحافي المكتوب عند انطلاق قناة RT:
https://lemde.fr/2CCLwmf

http://prochetmoyen-orient.ch/russia-today_sylvie-kauffmann-nous-ennuie/

لكن الصحافة الروسية امتطت جواد الاستمرارية الزمنية وصمد بوتين على مدى تعاقب أربعة رؤساء فرنسيين (جاك شيراك، نيكولا ساركوزي، فرانسوا هولاند، إيمانويل ماكرون).
فوق ذلك، يكون الصفح عن الإهانة سمة كبار الرجال. فبعد سنة وفي انقلاب نادر للمشهد في التاريخ، يشرّف الضيف الروسي المحتفى به سابقاً المبتدئ الفرنسي بتصرف بالغ اللباقة يدلّ على ثقة كبيرة بالنفس. يدور هذا المشهد في غاية الرفعة أمام مخطط مائي لقصر القياصرة في مدينة سانت بترسبورغ، موقع لا يقل عظمة عن قصر فرساي، ليكون معادله الروسي.
إنه الصيد على سطح الماء. فبين روسيا وفرنسا فارق كبير في الحجم، فارق يميّز بين قوة كونية ذات سيادة وبين مقاول فرعي عند الولايات المتحدة في مناطق نفوذها السابقة في أفريقيا والشرق الأوسط، بينما يحتل الموقع الثاني في العالم في مجاله البحري البالغ عشرة ملايين كلم2. يا له من إذلال قاسٍ أن يجد الحليف القديم للولايات المتحدة نفسه تحت رحمة عقوباتها الاقتصادية!
بالترتيب الرمزي، يتجلّى الفارق في الحجم واضحاً بين واحد من أكبر دبلوماسيي العصر وبين بيروقراطيّ مغبرّ باهت... فلا مجال للمقارنة بين الصلب الثابت الروسي سيرغي لافروف في منصبه منذ 2004، ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان. يشهد على ذلك سلفاه ألان جوبيه ولوران فابيوس اللذان أطاح بهما هذا الروسي العتيد.
يظهر في هذا الرابط العلاج المنشط الذي خصصه سيرغي لافروف لألان جوبيه ولوران فابيوس:
https://bit.ly/2x1bNoa

كان خطأ ماكرون أو بالأحرى بلواه هو غياب إدراكه المعرفي لكل لاعبي الصراع في الشرق الأوسط واستفحال اصطفافه الأطلسي، في حين كان على ربيب النخبة المثقفة الفرنسية أن يقوم على تمرين ذهني فيضع نفسه مكان الآخر ليفهم اللعبة، قد يجنبه ذلك الإهانات فهو يعرف أنه وريث عقد من الدبلوماسية الفرنسية المفجعة بسبب دورين رئاسيين عبثيين لوريث ديغول نيكولا ساركوزي وللاشتراكي المعطوب فرانسوا هولاند.

2- شرق أوسط تحت قبة إسرائيل الذرية
اقترح الرئيس ماكرون في خطابه أمام المؤتمر الأميركي في 24 نيسان/ أبريل 2018 أن يكون مهندس شرق أوسط تحت قبة إسرائيل الذرية. فأعلن أن «إيران لن تحصل على السلاح النووي لا الآن ولا بعد خمس سنين أو عشر»، والتزم كذلك تقليص القدرة البالستية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونفوذها الإقليمي في كل من اليمن والعراق ولبنان، من دون أن يصحب هذا الالتزام أي إجراء مقابل يخص نزع سلاح إسرائيل النووي.
فما كان من ماكرون إلا أن وقع في فخه إذ اضطرّ إلى حقن كل هذه الالتزامات جرعة تخدير بعد أقل من شهر من إعلانها أمام المؤتمر حتى يتجنب المهزلة، فقد انتهى الأمر بأنشودة ماكرون - ترامب التي تغنّت بها الصحف الفرنسية بتلقي الاتحاد الأوروبي فاتورة حرب اقتصادية باهظة نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
والأسوأ من ذلك كان عند انعقاد اجتماع الدول السبع الصناعية في 10 حزيران/ يونيو 2018 حينما صبّ ترامب جام غضبه ونسف الاتفاق النهائي الذي صدر عنه. ورفضت روسيا بازدراء الانضمام إلى الكورس الأوروبي مفضلة البقاء بعيدة عن الفوضى التي عمّت على خلفية القمة الثلاثية لشنغهاي (الصين، روسيا، إيران). وبتجاهل غير طبيعي من الصحافة الأوروبية، انعقد هذا الاجتماع في اليوم نفسه لقمة الدول الصناعية السبع ووضع إستراتيجية الرد لمحور التصدي للهيمنة الأطلسية بدعم متعدد المجالات لإيران.
وراء هذه التمثيلية النفسية المرتجلة الغربية، انكشفت الأهداف الدبلوماسية المخفية لكبير الآلهة الفرنسي: شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي، بقدرة بالستية إيرانية متواضعة، يوضع تحت رحمة قبة ذرية لبلد يملك أكثر من عشرين رأساً نووياً خارجة عن الرقابة الدولية، اسمه إسرائيل. حقيقة يفضل جهبذ السياسة الفرنسية تجاهلها.

3- حوَل ماكرون المتباعد
لن يتحقق أمن إسرائيل بتهديدها النووي المستمرّ لغرب آسيا، فهي المنطقة التي تتوسط دول «الناتو» (شمال الأطلسي) ودول «الساتو» (جنوب شرقي آسيا )، التحالفين العسكريين اللذين يشكلان فكّي كماشة الغرب للمنطقة.
هذا الرئيس المصاب بالحوَل المتباعد لدولة شاركت في تقسيم الشرق الأوسط في معاهدة سايكس-بيكو يدعو اليوم إيران إلى عدم فرض هيمنتها عليه من دون أن يشير هنا أيضاً إلى دور «الناتو» أو الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حتى فرنسا وبريطانيا ولا دور الإرهاب الإسلامي الوهابي. إنها فعلاً لحالة نادرة من الحوَل المتباعد.
تمثل الحالة الماكرونية وقاحة بلد هو من أكثر البلاد المسببة للتلوث الذرّي في الأرض، في إسرائيل حيث يقوم على صيانة مركز ديمونة، وفي أفريقيا الجنوبية في عهد الاحتلال العنصري وفي إيران زمن الشاه عن طريق جمعية إيورديف، وهو من جهة أخرى أحد الدول المحاربة مع إسرائيل ضد مصر (حرب السويس 1956)، ومع العراق ضد إيران (1979-1989) ومع الولايات المتحدة وبريطانيا ضد سوريا (2018).
للمزيد من التفاصيل حول التعاون النووي الفرنسي - الإسرائيلي، انظر:
https://bit.ly/2x1bNoa

وعن سياسة فرنسا العربية، انظر هذا الرابط :
http://www.madaniya.info/201o7/06/01/france-monde-arabe-1967-2017-un-demi-siecle-d-inflechissements-successifs/

سبق أن تجلّت الوقاحة الماكرونية في تنبّؤاته الرئاسية المزيفة عن انتهاء الحرب على داعش في شباط/ فبراير 2018 وعودة العلاقات مع السلطة السورية. ناقضته الوقائع فكشفت عن رعونة هذا الرئيس في الشؤون الدولية. كان الأمر كذلك على المستوى الأوروبي حيث تشكّلت في إيطاليا حكومة شعبية مكوّنة من وزراء يرتابون من أوروبا، فصدّوا الطموحات الأوروبية للحائز على جائزة شارل ماني لعام 2018.
وليس شرط فرنسا في سحب سلاح حزب الله اللبناني و«الحشد الشعبي» العراقي متغاضية في الوقت نفسه عن سلاح البشمركة الكردية، ثم محاولاتها تقسيم سوريا عبر خلق كيان كردي في شمالها، إلا دليلاً آخر على هذه الرعونة.
وما كان من قرار سبعين عشيرة عربية وسط سوريا، في 1 حزيران/ يونيو 2018، إعلان الحرب على «الاحتلال الأميركي والفرنسي والتركي»، إلا أن ردع الأطماع الماكرونية نوعاً ما، إذ أعاد إلى ذاكرته كابوس بيروت ومقتل السفير الفرنسي لويس ديلمار والهجوم الثنائي على السفارة الفرنسية هناك ومركز قيادة الكتيبة الفرنسية المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات الغربية عامي 1983 و1984.
للقارئ العربي في هذا الرابط قرار سبعين عشيرة عربية بشنّ الحرب على المحتلين:
http://cutt.us/iuy8d

4- معلّم الجاسوسية يصبح «ممثل الرئيس ماكرون الشخصي لسوريا»
ترف التكلّف يخفي التراجع السرّي لإيمانويل ماكرون، إذ عيّن المدير السابق للاستخبارات فرنسوا سينيمو في 27 حزيران/ يونيو الفائت «ممثلاً شخصياً للرئيس في سوريا»، حيلة دبلوماسية قد تسمح له بالالتفاف على قرار آلان جوبيه إغلاق السفارة الفرنسية في دمشق في آذار/ مارس 2012 وبتجنّب انقلاب علني على سلفيه نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند.
إن الاعتراف بغياب ممثل فرنسي لسوريا قد يوحي بتخلٍّ فرنسي خجل عن المعارضة الخارجية السورية النفطية التي تعاني من تفكك وفرار جماعي، إذ سيسمح لهذا الممثل الفرنسي بالتواصل مع السلطة السورية بحجة مهمته «في سوريا». بمعنى آخر: السماح للجاسوس الفرنسي الكبير أن يلتقط بعض فتات من المعلومات في كواليس جنيف أو أستانا محاولاً إعادة العلاقات الدبلوماسية تدريجاً بين البلدين الأمر الذي سيبقى هشّاً ما دامت دمشق تنظر بعين الريبة إلى باريس.
في السياق نفسه، شكّل انتصار التشكيلات الشيعية في انتخابات ربيع 2018 اللبنانية والعراقية وهزيمة حليفهم سعد الحريري عصا في العجلة أبطأت سير عربة مشاريع هذا المبتدئ الفرنسي وبرّدت حماسته.
تزامن مطلب فرنسا سحب سلاح حزب الله مع قرار الخزانة الأميركية وضع حسن نصر الله وكل مستشاريه على «لائحة الإرهاب السوداء»، بهدف إعاقة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة المنتخبة حديثاً أو في درجة أقلّ ردع الناجي في الانتخابات سعد الحريري من التعاون مع الفصائل الشيعية التي كان لمشاركتها في الحرب السورية دور مفصلي في قلب الأمور لمصلحة الدولة.
كُتبت اللائحة في 16 أيار/ مايو 2018 غداة نقل السفارة الأميركية إلى القدس والمجزرة الإسرائيلية الفاجرة ضد سكان غزة، بالتنسيق مع ممالك الخليج التالية: السعودية والبحرين والإمارات وقطر وسلطنة عمان. وهي بلاد تابعة للولايات المتحدة المعروفة بنزاهتها السياسية وميلها للسلام.
يجد القارئ العربي في هذا الرابط قرار الخزانة الأميركية:
https://www.al-akhbar.com/Lebanon/250192/

بعيداً من الأضواء، كان التصويب على إيران وحزب الله يظهر بالخط الفاتح في مشروع ماكرون الدبلوماسي كما تشهد على ذلك بنية الهيئة الدبلوماسية التي أنشأها غداة توليه الحكم.
عن الجهاز الدبلوماسي الرئاسي، انظر الرابط التالي:
https://www.madaniya.info/2017/08/28/liban-banc-dessai-dune-diplomatie-francaise-plein-desarroi/

5- استخدام تاريخ فرنسا كأداة بحجة التعاون مع نظام فيشي
فضلاً على ذلك مسح اسم فلسطين من خطابه الأميركي، بينما رفضت إسرائيل الإذعان لتحقيق دولي حول مجازرها في غزة منذ 30 آذار/ مارس 2018 التي وصلت إلى أكثر من 97 قتيلاً وأربعة آلاف جريح، هذا يؤكد من جهة دعمه للكيان العبري، وللمملكة السعودية في مجازرها بحق الشعب اليمني من جهة أخرى.
ومع ذلك، رفعت فرنسا إصبع اعتراض خجولاً على مجزرة غزة الأخيرة في 14 أيار/ مايو الفائت معترفةً بحق الفلسطينيين في حرية التعبير وفي القيام بتظاهرات سلمية. وألغت في الوقت نفسه زيارة رئيس الوزراء إدوار فيليب إلى إسرائيل للمشاركة في احتفالات ذكرى إنشاء الدولة العبرية، وهذا ليس إلا اعتراض صغير قبل استقبالها بنيامين نتنياهو في باريس في 5 حزيران/ يونيو، أي بعد أقل من شهر من المجزرة الإسرائيلية الثانية على غزة.
بعد سنة من توليه الرئاسة، أي في حزيران/ يونيو الماضي، اضطر ماكرون إلى الاعتراف بالواقع والخلوص إلى نتيجة مريرة مضاعفة. فلم يكن هذا الشاب المبتدئ في السياسة الدولية ليمتلك مقدار ذرة نفوذ على حيوانات برية من عيار دونالد ترامب (في أميركا) ونتنياهو (في إسرائيل). وما انسحاب شركتي «توتال» و«بيجو» العملاقتين من السوق الإيرانية إلا دليل فاضح على ذلك، وعلى غياب أي وسيلة للرد على قرارات حكام هاتين الدولتين الحليفتين لفرنسا. وباستقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي ثلاث مرات في أقل من عام، آخرها لإحياء ذكرى نفي يهود فرنسا على يد الشرطة الفرنسية في عهد فيشي (La Rafle du Val d'Hiv) بين عامي 1940 و1944، ساهم ماكرون في استخدام تاريخ فرنسا كأداة، وفق تعبير المؤرخة سوزان سيترون.

تجد في هذا الرابط مقال سوزان سيترون:
https://lemde.fr/2NvZryJ

6- مناورات مشتركة بحرية فرنسية - إسرائيلية للمرة الأولى منذ 1963
بعيداً من التظاهر بالاعتراض تابعت فرنسا مناوراتها المشتركة مع البحرية الإسرائيلية التي لم تنقطع منذ عام 1963، وشارك فيها مبنيان من البحرية الإسرائيلية أمام شواطئ مدينة طولون بالاشتراك مع نظيرتها الفرنسية في حزيران/ يونيو 2018. وقامت الحراقة INS إيلات والسفينة حاملة منصة إطلاق الصواريخ INS كيدون مع الفرقاطة الفرنسية لافاييت في مناورات تشمل سيناريوات واسعة النطاق. ومثّلت قناصات طائرة على ارتفاع قليل سيناريو صواريخ مضادة للسفن.
شملت التمارين تدريبات إطلاق نيران مدفعية. ووفق الكولونيل Ronen Hajaj فإن «فرنسا تعتبر إسرائيل شريكاً بحرياً قوياً في المنطقة». لقد فاق عدد السفن الحربية الفرنسية التي رست في ميناء حيفا عدد نظيرتها الأميركية عامي 2016 و2017.

7- الانتشار الإستراتيجي في مواجهة إيران
حالم وديع أم جاهل مريب؟ مهما كان الأمر، بذّر ماكرون في واشنطن كل رصيده، مطلقاً الرصاصة الأخيرة على توازن الدبلوماسية الفرنسية باصطفافه الكامل وراء الأطروحات الأكثر تطرفاً لفكر المحافظين الجدد الإسرائيلي - الأميركي.
فقد تماشى اعتناقه التام لهذا الفكر مع الإمكانات الإستراتيجية لبلد يعتبر عامة ذا قدرة محدودة. على رغم تألقه من وقت إلى آخر. ويشهد أيضاً على تفاقم جهل مأسوي للوقائع الإستراتيجية الإقليمية، بينما تبدو دول الخليج كقاعدة أميركية ضخمة عائمة.
والمنطقة شبكة قواعد جوية-بحرية أنجلوسكسونية وفرنسية هي الأكثر كثافة في العالم ويكفي انتشارها لردع أي عدوان. تأوي الدوحة مركز التحكم بالعمليات للقيادة المركزية الأميركية Cent Com تمتد قدراته على طول محور العالم الإسلامي من أفغانستان إلى المغرب، ويوجد في المنامة المقرّ الرئيسي لمرسى الأسطول الخامس الأميركي وتغطي مساحة عملياته كل منطقة الخليج العربي - الفارسي والمحيط الهندي.
ويضاف إليها جيبوتي وفيها منصة العمليات المشتركة الفرنسية - الأميركية في القرن الأفريقي، وقاعدة Diego Garcia للتتبع للمحيط الهندي، وقاعدة مسيرة البريطانية الجوية في سلطنة عمان، وكذلك ومنذ كانون الثاني/ يناير 2008 المنصة البحرية الفرنسية في أبو ظبي؛ إضافة إلى عشرات القواعد الأميركية المنتشرة شمال سوريا والعراق بحجة محاربة التنظيمات الإسلامية كـ«داعش» و«القاعدة».
أخيراً ، عنصر مهم من هذا الشبكة هو إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة. وتتراكم فوق هذا العنصر حواجز إلكترونية أقيمت على حدود المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتثبيط أي هجوم أو تسلل.
في المقابل، خضعت إيران لحصار منذ 38 عاماً محاطة بأربع قوى نووية (روسيا، الهند، باكستان، إسرائيل)، وواجهت حرباً عدوانية قادها العراقي صدام حسين لحساب الممالك النفطية لمدة عشرة أعوام (1979-1989).
أما التوصية بعقد اتفاق دولي بديل عن السابق الذي فاوضت عليه خلال سبع سنين ووقعت عليه سبعة أطراف منها إيران وروسيا والصين وأيّدته الأمم المتحدة، التي اقترحها الرئيس الأميركي الضارب كل القوانين الدولية بعرض الحائط معلناً بصورة أحادية الجانب، «القدس عاصمة لإسرائيل»، فهي ليست إلا تهكماً ورعونة سياسية.
لقد رفع إيمانويل ماكرون نفسه بتصرفه على هذا النحو إلى صفّ الخصم العنيد لطموحات العالم العربي والإسلامي في حماية أمنه الوطني، ليتساوى بذلك مع نيكولا ساركوزي ولوران فابيوس ومانويل فالس، الذين قاموا على دور ساعي البريد لإسرائيل في الشأن الفلسطيني خلال مفاوضات الاتفاق النووي، وليتساوى أيضاً مع نظيره المحبط فرانسوا هولاند، روميو «أغنية الحبّ» التي ألّفها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المتعصب الشرس.

8- فرنسا في اليمن، ابن آوى
بعد تشرذم المعارضة الخارجية النفطية السورية وتحطم مجسمات الإله سعد الحريري، حصان طروادة اللبناني في إعادة إعمار سوريا، لم يعد أمام فرنسا إلا أن تنشر قواتها عند حلفائها المهزومين... في شمال سوريا إلى جانب الأكراد الانفصاليين وفي شمال اليمن دعماً لأبو ظبي في معركتها للاستيلاء على الحديدة، تلك المحاولة اليائسة، خوفاً من خروجها نهائياً من اللعبة على المسرح الإقليمي.
وضعت فرنسا في اليمن في خدمة التحالف السعودي 6 طائرات «إيرباص» لتزويد الطائرات السعودية والإماراتية المقاتلة جواً، و4 قاذفات تعمل انطلاقاً من قاعدة جيبوتي لطيران التعرف في مسرح العمليات ومراقبة الأقمار الاصطناعية.
بعد ثلاثة أشهر من بداية الصراع، أي في 15 آذار/ مارس 2015، باعت فرنسا للسعودية طائرة تزويد Airbus 330-200 MRTT، وهي الأخيرة في صفقة الطائرات الست. في نيسان/ أبريل 2017، اثنتان منها نشرت في اليمن. وللضرورة الحتمية، تقوم على تزويد طائرات F-15 السعودية جواً. يضاف إليها مدافع Caesar 155 mm من مصانع الأسلحة الفرنسية Nexter،
وطائرات النقل المروحية Cougar المصنعة لدى EADS، وطائرات من دون طيار SDTI للاستخبارات العسكرية المصنعة لدى SAGEM، كلها بيعت للتحالف السعودي.
في نيسان/ أبريل 2016، سلّمت فرنسا 176 مدرّعة خفيفة، وهي صناعة Renault Sherpa light وVab Mark 3 من مجموعة Renault Trucks Defense، التي كانت موجّهة أصلاً إلى لبنان. وبالإضافة إلى التزويد بالعتاد العسكري، أمّن هذا البلد تاجر الأسلحة الكبير الحصار البحري على اليمن، متولّياً المهمة عن السعودية خلال صيانة زوارقها السريعة. فوق ذلك كله وضع في خدمة التحالف فرقة من القوات الخاصة لدعم المعتدين الخليجيين.
قارنت قناة «الميادين» المكونة من صحافيين سابقين في «الجزيرة» تصرف فرنسا بـ«ابن آوى الذي يلتقط فتات» النسر الأميركي. وأضاف معلّق القناة: «يتخيّل إيمانويل ماكرون نفسه أحذق من الحكام البريطانيين حين أحاط تدخله في اليمن بغطاء إنساني، مبرراً بذلك وجود عسكريين فرنسيين إلى جانب المعتدين الإماراتيين بضرورة نزع ألغام ميناء الحديدة».
عوّض هذا الاندفاع الفرنسي في اليمن الهزيمة العسكرية في سوريا على أمل الاحتفاظ بمقعد دبلوماسيّ خلفي في مسرح إعادة رسم المنطقة استراتيجياً في الشرق الأوسط.

توجد الرواية للقارئ العربي على الرابط التالي:
http://www.almayadeen.net/analysis/887097/

9- متلازمة السويس
أكثر من عشر تدخّلات في الشرق الأوسط باءت كلها بالفشل، وعادت متلازمة السويس تؤرّق فرنسا من جديد. فالعدوان الثلاثي الذي قامت عليه القوتان الاستعماريتان في تلك الحقبة، فرنسا وبريطانيا وصنيعتهما إسرائيل عام 1956 على مصر الناصرية، أدّت إلى قطيعة دامت عشر سنين بين فرنسا والعالم العربي وانحسار كبير للنفوذ الفرنسي في المنطقة، هذا الذي لمّا تتعافَ منه.
مع الهبوط الساحق لعدد المتكلمين باللغة الفرنسية في لبنان الذي كان بنسبة 77% في الأعوام 1950-1960، انقلبت النسبة في هذه الأيام لمصلحة اللغة الإنكليزية.
يتزامن هذا الإخفاق الدبلوماسي مع نمو البورصة لدى أرباب العمل على رمال متحركة اجتماعية من إضرابات لعمال شركة نقل السكك الحديدية وشركة الطيران الفرنسية واحتجاجات المزارعين والطلاب. أصبحت فرنسا عام 2018 بطلة العالم في الأرباح لأصحاب الأسهم، بينما كانت في المرتبة السابعة من بين القوى الاقتصادية العالمية، وتسبقها حالياً الهند.
فاق الناتج المحلي الإجمالي في الهند للمرة الأولى عام 2017 نظيره في فضائنا، ما أعاد فرنسا إلى المرتبة السابعة في الاقتصاد العالمي وفق موقع البنك العالمي. ووصل هذا الناتج المحلي الإجمالي في الهند في السنة الأولى للرئاسة الماكرونية، أي عام 2017، إلى 2،579 مليار دولار مقابل 2،582 مليار في فرنسا.
في الجهة المعاكسة، وفق تقرير نشرته المنظمة غير الحكومية l'ONG Oxfam، يوم الإثنين 14 أيار/ مايو 2018، بعنوان «CAC 40: أرباح من دون تقاسم»، وزّعت مجموعة CAC 40 على مساهميها ما يعادل ثلثي أرباحها في 2009 - عام الأزمة المالية العالمية - وعام 2016، أي ضعفي عام 2000. يضيف هذا التقرير: «ما دفع بالشركات إلى إعطاء 27،3% فقط للاستثمارات و5،3% للموظفين»، مندّداً بخيارات اقتصادية تغذّي دوامة اللامساواة.

للمزيد انظر:
https://bit.ly/2N2Rgue
https://bit.ly/2mIeVQX
على رغم أنّ ماكرون تفوق على سلفه الديغولي-الأطلسي نيكولا ساركوزي من حيث حراسته الشخصية، وعلى سلفه الاشتراكي-الأطلسي فرانسوا هولاند من حيث دماثته، فإنه قاد دبلوماسية فرنسية أكثر كارثية من سلفيه.
أن يظهر من يدّعي أنه تلميذ الفيلسوف Paul Ricœur بكل هذا التكلف والمغالاة فذلك يتناقض مع الصفات المهينة التي يتصف بها هذا الرئيس الشاب لجمهورية فرنسا.

10- لم يعد الغرب يملي مفكرته على العالم
«لا يُلعق الدب الروسي بسهولة»، مثل معروف ومعترف به. فعليك، يا مانو، أمام هذا القصير الرأس القابع وراء الأطلسي أن تراجع أساسياتك التي لا يجهلها مخلوق، حتى الكسالى، منذ جان دو لا فونتين، وهي أن «لا قدرة للمادح إلا على أذني سامعه» (حكاية الغراب والثعلب).
ومنها أيضاً: أوروبا ليست «الناتو»، وليست فقط «الناتو». أوروبا تمتدّ من الأطلسي حتى جبال الأورال، فأوروبا، وكل أوروبا تقرر مصير العالم. هذه هي كلمة سرّ شارل الأكبر «محرر فرنسا» لقزم فرنسا، التي ردّدها في خطابه في تشرين الثاني/ نوفمبر في ستراسبورغ عام 1959، ثمانية عشرة سنة قبل ولادة خلفه الشاب.
لم تعد عقارب ساعة العالم تدق في واشنطن - أو على الأقل فقط في واشنطن -، فعواصم أخرى على كوكبنا تملك توقيتها الخاص. «لم يعد الغرب يملي مفكرته على العالم»، كما اعترف فرانسوا هولاند بمرارة في لحظة نادرة من وضوح الرؤية، قبل أن يرمي مجدافيه مهزوماً في سوريا. وسيعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باختصار أنّ العالم أصبح في «حقبة ما بعد غربية».
انظر:
https://www.courrierinternational.com/article/la-crise-de-loccident-en-neuf-dates

بالنسبة إلى بلد ذي ماضٍ عسكري مجيد، تعدّ الهزائم الأربعة خلال عقدين من الزمن (سيدان 1880، واترلو 1915، مونتوار 1940، ديان بيان فو 1954)، أي ضعف هزائم ألمانيا (الحربين العالميتين 1918 و1945) وصفر هزيمة للمملكة المتحدة، رقماً قياسياً للدول الغربية، ويخشى إن لم تتّعظ ، أن تظهر «شهادة مهزوم» جديدة من «هزيمة غريبة» (مارك بلوش).
للمزيد من التفاصيل عن الدبلوماسية الفرنسية تحت حكم إيمانويل ماكرون إليك الرابطين التاليين:
https://bit.ly/2CBEMoB
https://bit.ly/2QkywET

* كاتب سياسي لبناني