غزة | أيام قليلة فاصلة عن بداية أيار، الشهر الذي تتوسطه ذكرى أليمة للشعب الفلسطيني: النكبة، التي تتمُّ عامها السبعين. إذ إنه، منذ نحو سبع سنوات، تاريخ انطلاق «مسيرات العودة» التي أقلقت العدو الإسرائيلي في 2011، لدى الفلسطينيين «سلاح» جُرّب ولم يستعمل بفعالية بعد. أما هذه السنة، فقد قررت فصائل المقاومة في غزة تفعيل هذه الوسيلة، خصوصاً حركة «حماس» التي تفيد مصادر فصائلية أنها دفعت غالبية التمويل الخاص بإعداد الخيم إضافة إلى تأمين المواصلات لكل من «المرابطين» والمتظاهرين، تحديداً في أيام الجمعة، كما ساهمت بقية الفصائل كلٌّ على استطاعته.وعلى رغم ما يقال إسرائيلياً، وحتى فتحاوياً، عن أهداف سياسية تسعى إليها «حماس»، فإن تخفيف الحصار عن غزة يمثل هدفاً مشتركاً يصب في مصلحة الناس أولاً، والحركة ثانياً، علماً أن الأخيرة لم تعد تطالب الجهات السياسية برفع الحصار بقدر ما تطالب بتخفيفه، نزولاً عند الواقع المعقّد بعدما وصل التضييق إلى أعلى مستوياته: الحصار الإسرائيلي منذ 11 عاماً، عقوبات السلطة منذ شهور، الإجراءات المصرية منذ 5 سنوات، التقليصات الغربية وأزمة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) منذ عامين، والأخيرة أنذرت قبل أيام أنها بحاجة إلى 200 مليون دولار بصورة عاجلة وإلا ستتوقف المساعدات الغذائية التي تقدمها.
مع ذلك، لا تنكر الحركة، وأوساط داخلها، أن الاهتمام الشديد بـ «مسيرات العودة» ناجم عن هذه الأسباب، لكن ثمة عوامل أخرى تتعلق بالمشهد السياسي الإقليمي، وتحديداً مواجهة «صفقة القرن»، وأخرى داخلية، دفعت إلى تغيير أساليب العمل، خصوصاً في العهد الجيد للمكتب السياسي الحالي الذي انتقلت رئاسته إلى غزة. ووفق جملة اتصالات، وبالاطلاع على تعميمات داخلية في «حماس» صدرت منذ بداية الشهر الجاري، تتلخص رؤية الحركة في أن «الالتفاف الكبير حول الشعارات الكبرى للمسيرة جعل منها حدثاً مفصلياً يمكن المراكمة عليه لتحقيق مصالح شعبنا، وفرض قضيته على أجندة القرار الإقليمي والدولي».
انطلقت فكرة «مسيرات العودة» في 2011 وتعززت في غزة منذ 2015


ومع أن «حماس» لم تنكر يوماً المقاومة المسلحة ولا تزال ترفع هذا الشعار وتقول إنها تدفع ضريبته، قضت التوجيهات الأخيرة بأن تكون المشاركة في «مسيرات العودة» جزءاً من «حراك جماهري شعبي سلمي... دعت إليه وشاركت به الفصائل والقوى شبابية والمجتمعية والحقوقية»، في حين أن العسكر (كتائب القسام) لن يقف مكتوف اليدين في حال تطور المشهد، ونفذ الإسرائيليون تهديداتهم بقتل المتظاهرين إذا تجاوزوا السياج الفاصل بين غزة وفلسطين المحتلة في ذكرى النكبة (15 أيار)، كما تفيد مصادر في الحركة.
وعملياً بدأ الحراك على الحدود في غزة ينحو إلى التصعيد منذ انطلاق «انتفاضة القدس» في تشرين الأول 2015، حينما قرر الشبان في القطاع المساهمة في تلك الهبّة الشعبية، التي كانت تعتمد بصورة أساسية على العمليات الفردية في الضفة والقدس والداخل المحتل، عبر التظاهر الأسبوعي يوم الجمعة على الحدود، لكن آنذاك كانت الأعداد محدودة وكذلك مناطق التماس.
أما الأسباب التي ترى «حماس» أنها توجب عليها دعم هذه المسيرات، فهي: «1. تعرض القضية الفلسطينية لأخطر مؤامرة تستهدف تصفيتها (صفقة القرن) 2. تعثر مسار المصالحة بعد رفض قيادة فتح تنفيذ ما هو مطلوب منها في اتفاقات المصالحة المختلفة وإصرارها على إخراج حماس من المشهد السياسي كلياً 3. اشتداد الحصار الصهيوني المفروض على غزة ووصوله الى مستويات غير مسبوقة وغير محتملة 4. اندفاع قوى إقليمية (في إشارة إلى الدول الخليجية) لتعزيز علاقتها مع دولة الاحتلال والإدارة الأميركية على حساب الحقوق الفلسطينية 5. الاستهتار الواضح من الولايات المتحدة بحقوقنا ومساسها بالخطوط الحمر لشعبنا 6. تصاعد حالة التقارب الفصائلي والجهد الواضح الذي بذلته الحركة في تعزيز العلاقات».
جراء ذلك، ترى الحركة أن من الممكن الحصول على جملة من النتائج، أبرزها: تثبيت حقوق شعبنا وفي مقدمها حق العودة، وكسر الحصار عبر فرض هذه المسألة على طاولة كل الأطراف المحاصِرة، وتحميل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة واعتباره عنوان الحصار.
وبجانب هذه الأهداف العامة، ثمة فوائد أخرى منها: «عودة الفعل النضالي الشعبي وانخراطه كجزء أساسي في معركة التحرير... لقد فوجئنا من تفاعل الجماهير الكبيرة معنا في 30/3، وهو ما مثل فرصة كبيرة يمكن البناء عليها»، تقول المصادر. أما الهدف الثاني، فهو «إشغال جيش العدو واستنزافه في مواجهة المتظاهرين، وتخريب خططه الإستراتيجية وهو ما سيقلص استعداداته القتالية، وتعزيز التناقضات الداخلية لدى العدو إزاء مسألة حصار غزة، وهذا ما ظهر في النقاش المحتدم بين النخب السياسية والعسكرية». ورابعاً «تعزيز الأصوات المطالبة بتفكيك أزمة غزة، خصوصاً بعد تصدرها كقائدة للمشروع الوطني بعد أن نجحت في المزاوجة بين المقاومة الشعبية السلمية والمؤثرة، والمقاومة المسلحة»، كما أن دعم المسيرات «خطوة أخرى في طريق حماس لقيادة المشروع الوطني... في مقابل ضعف حضور فتح، مع الحرص على تدشين وحدة حال بين أبناء شعبنا وفصائله»، وليس أخيراً «إحراج السلطة وفتح مع تصدر غزة للمقاومة السلمية، ثم إحراج الاحتلال دولياً».
وبينما تحفز «حماس» مناصريها على المشاركة في هذه المسيرات، تؤكد أنها باتت «أولوية تنظيمية عليا تستوجب استنفار أبناء التنظيم كافة ودفعهم لبلورة أفكار ومبادرات لدعم الحراك»، لكن مع «مواصلة تقليص حضور الذات الحمساوية إعلامياً، والانسجام مع الكل الوطني»، إضافة إلى «ضرورة الحفاظ على التفاعل الإيجابي على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم الدخول في نقاشات جانبية سلبية حول وسائل الحراك والخسائر المتوقعة».