طرابلس الخيمة والوداع الجديد. ما كدنا نفترق حتى وقع الموت. كيف أقولُ وداعاً في يوم دامٍ كهذا؟ كدنا نموت معاً على حافة الموت السريع حيث التقينا فرحين بهواء الربيع: يا حبيبتي الجريحة، ماذا أقولُ في هذا الغبش المتصاعد فوق كل شيء؟ كنتُ أعدُّ ثيابي ونفسي للرحيل قبل ساعاتٍ من انفجار البركان.
كنت في الهزيع الأخير من اللقاء، أي لقاء يا طرابلس؟ كنت أعدّ التحية للبحر والأحلام البريئة، كنتُ فيكِ وكنتِ فيّ، في عناق الحب، فكيف افترقنا على إيقاع الدّم ورائحة الموت المجاني؟ في لحظة الموت السريع، لم أقل وداعاً لأنني ما زلت
أحبّكِ.
كالجنون العاطفي أحبّكِ، أنتِ طرابلس البحر والخيمة... في التشابه الحسيِّ والجغرافيا؟ أنت كحيفا ويافا، أنتِ طرابلس الهواء الشمالي الحنون المؤدي إلى الشام، سلام للنبض فيكِ وسلام للصلاة فيكِ. هذا؟ لا شيء يا طرابلس.
هي بعض الدموع التي سالت على خدّ المساء الغريب في الطريق الطويل إلى المطار.
هي بعض الصمت المحترم في حضرة الذكرى والموت معاً. لا شيء يا طرابلس، لا عليك، ربما هو افتراق للخروج من لحظة الموت قليل والتشمس في نواحي الحياة.
كم سهرنا معاً! وكم ضحكنا معاً، وقلت لي: «لا خيمة لي سواكِ، ولا أرض تحتي سواكِ»، فلا تغيبي، ربما التقينا في مكانٍ ما أو في خيالٍ ما، تحت شمس الصباح يشرق الحب من جديد وننسى
الجرح.
وأقولُ مجدداً: تعالي إليّ، وتقولين لي: سآتي مع ريح القدس وعكا وحيفا ومخيم قلنديا، سآتي على إيقاع الشهيد الجديد نتقدم ونحب الحياة. هذا يا طرابلس حظ الغريب، في يوم الجمعة بكت السماء وخيّم الغيم على جهاتها.
لماذا؟ لماذا؟ لا أعرف لماذا! ربما كان لا شيء، هذا السواد المفاجئ من بقايا الغيمات المسافرة في فضاء الربيع. لا أعرف لماذا؟
فقط أريد الرحيل. لا شيء إلا الرحيل.
طاب نهارك يا امرأة الريح والطرقات وطفولتي الأولى. طاب نهارك يا حبيبتي الجريحة بخناجر الزمن، طاب نهارك فاذهبي إلى الوظيفة. قد نلتقي بعد هذا النهار الأخير، ونكمل هذا الحب بلا توجسٍ من فكرة الموت على شواطئ هذا
السفر.
يحرسك الله من المجهول، فأنتِ القلعة والمكان والروح طاب نهارك.