منذ أسبوع فقط، عقد اجتماع بين لجنة المتابعة الفلسطينية (المنبثقة من القوى الوطنية والإسلامية) والعميد علي شحرور في مقر مخابرات الجيش في الجنوب بدعوة من الأخير. «هذا الاجتماع ليس الأول بالطبع بين هذين الطرفين المعتادين عقد لقاءات دورية دائمة، بيد أنه الاجتماع الأول الذي أثمر مقررات من شأنها تذليل جميع التوترات السائدة بين أهالي المخيم والجيش اللبناني». بهذه الكلمات يفصح أبو بسام المقدح، أمين سر لجنة المتابعة الفلسطينية، عن مضمون الاجتماع، كاشفاً عن «علاقة جديدة فتحها الجيش اللبناني مع أهل المخيمات، بإيعاز من قائده العماد جان قهوجي، وقد أدت إلى اتفاق على دخول أطباء اختصاصيين من الجيش إلى مخيم عين الحلوة، ليعاينوا المرضى في مستشفى الأقصى، ويقدموا الطبابة وبعض الأدوية المتوافرة لدى الجيش مجاناً. كذلك اتفقا على إرسال مهندسين للكشف على الأبنية لترميمها وتسهيل إعطاء تراخيص لإدخال مواد البناء. والأهم من ذلك هو مقاسمة الجيش اللبناني أفراح المخيم وأتراحه من خلال مشاركة أحد ضباطه في المناسبات الاجتماعية التي تحصل في عين الحلوة».
أما في ما يتعلق ببدء تطبيق تلك القرارات، فيطمئن منير المقدح، وهو مسؤول الجيش الشعبي في المخيم وعضو قيادة الأمن الوطني فيه، إلى «أنّ من المفترض مباشرة دخول الأطباء المتعاقدين مع الجيش اللبناني في غضون هذا الشهر إلى المخيم وتقديم خدماتهم الطبية في مستشفى الأقصى». ويكشف المقدح أن الجيش كان يقترح إنشاء مركز طبي على نفقته في المخيم، لولا وجود هذا المستشفى المجهز لاستقبال المرضى، وهو ما يسرّع أيضاً البدء بتطبيق الاتفاق». ويرى المقدح أن هذه الصفحة الجديدة بين الجيش اللبناني من جهة وأهل المخيم «ليست وليدة اللحظة؛ إذ إنه دائماً كانت تحصل لقاءات بين الفصائل والجيش، لكن معظمها كان يتمحور حول الوضع الأمني. وكنا دائماً نخرج بأجواء إيجابية، لكن لم يكن هناك من متابعة لتلك الأفكار على أرض الواقع، وهذا ما جرت معالجته حالياً، فأثمر تلك القرارات»، مردفاً بأن «التنسيق والاتصال بيننا وبين الجيش دائمين ويطاولان جميع الشؤون الاجتماعية التي يمكن الجيش من خلال علاقاته مساعدة شعبنا فيها، تخفيفاً للمعاناة، وهذا ما يعكس إرادة هذه المؤسسة بالتعاطي إيجاباً مع شعبنا، ويذلل جميع الأفكار التي يحاول البعض أن يسوقها تجاهه». ويتابع الرجل: «هذه المؤسسة تعني لنا الكثير، ونكنّ لها كل الاحترام؛ لكونها الضامن الوحيد للسلم ولأمننا، وهي أساساً تحمل عقيدة المقاومة. من هنا تكمن أهمية إرساء أفضل العلاقات معها، والاتفاق الأخير كفيل بإثبات ذلك». ويوضح المقدح أن «مشكلة شباب المخيم لم تكن يوماً بالأساس قائمة ضد الجيش، بل هي ضد قياداتهم أولاً وضد المشايخ في المخيم، وهي ناجمة عن الأوضاع الاجتماعية السيئة التي يرزحون تحتها. ومهما يكن، فإن تلك المبادرة ستمحو كل أشكال النفور من الجيش».
هذا الموقف تُجمع عليه جميع قيادات الفصائل الفلسطينية داخل المخيم؛ إذ يرى مسؤول جبهة النضال الشعبي الفلسطيني في عين الحلوة، أبو حسن كردية أن عبارة «الحساسية بين أهلنا والجيش باتت من الماضي، وهذا الاجتماع المفصلي لاقى أصداءً مريحة داخل المخيم، وخصوصاً لناحية الخدمات الطبية. وهو ما سيسد بعض الثغر التي ظهرت في أداء الأونروا أخيراً؛ إذ إن خدماتها تجاه شعبنا تقلصت من 100% إلى 30%، وإن تلك الخطوة من شأنها أن تخفف من تلك المعاناة». ولا يختلف رأي المسؤول في حركة الجهاد الإسلامي عمار حوران عن كردية الذي يضيف: «مع ترحيبنا بخطوة الجيش هذه، إلا أنه يجب أن تتبعها سلسلة خطوات أخرى، لناحية إزالة بعض التضييق الذي تفرضه بعض الإجراءات على حواجز الجيش الموجودة في مداخل المخيم، ومنها ما يخص التأخير في إعطاء التصاريح للأجانب (أي الفلسطينيين المقيمين خارج لبنان، الذين يودون زيارة أقاربهم داخل المخيم).
هذا من ناحية المسؤولين، لكن بالعودة إلى شارع المخيم، يبدو حتى الآن أن الكثير من أهل المخيم لم يسمعوا بعد بالقرار، وخصوصاً أنه لم يدخل حيز التنفيذ. «بعدو حكي بحكي»، يقول حسن صالح، مردفاً بأنهم في المخيم «بانتظار بدء
التطبيق».
لكن الرجل لا يخفي في الوقت نفسه تفاؤله لدى سماعه بتلك الخطوة التي من شأنها «أن تبعث الطمأنينة لدى أهل المخيم من خلال التفاعل مع المؤسسة العسكرية التي نكن لها كل الاحترام».
في المقابل، يرى د. سمير الحاج موسى أنها «بداية جيدة؛ لكونها تتيح للجيش أن يدخل إلى أعماق مجتمع اللاجئين الفلسطينيين ويفهم ما يحمله هذا الشعب من طيبة، وكذلك يتيح لأهلنا تفهم عقلية الجيش، وهو بالتأكيد سيسهم بإزالة جميع الأفكار المسبقة الموجودة لدى الطرفين تجاه بعضهما، ما سيخلق جواً من التناغم بين الطرفين وينعكس بالإيجابية عليهما معاً»، لكن بنظر موسى «هذه الخطوة الممتازة وحدها لا تكفي إلا إذا ترافقت مع سلسلة خطوات أخرى تعيد إلى هذا الشعب بعضاً من حقوقه الإنسانية المسلوبة حالياً».



«على الرغم من إيجابية الخطوة وما تعكسه من مصلحة مشتركة لدى الجانبين»، يرى عضو اللجان الشعبية في صيدا فؤاد عثمان أنه بقيت «خطوات عملية أخرى يجب اتخاذها لتعزيز هذه العلاقة الناشئة بين الجيش والمخيمات، وتوطيدها من خلال استكمال إنهاء عسكرة مخيم نهر البارد، والتعاطي الإيجابي على الحواجز، بما يضمن إمساك الأمن والهدوء من جهة، ومن جهة أخرى احترام كرامة اللاجئ الفلسطيني لدى مروره أمام تلك الحواجز، وكذلك التعاطي بمرونة بإدخال القطع الكهربائية والأثاث بلا تعقيدات أو ربطها بتصاريح مسبقة».