على قاعدة أن من يكشف الجريمة هو المجرم، استدعت إدارة أوجيرو، بشكل عاجل، عدداً من الموظفين للحضور صباح اليوم إلى مركز الهيئة في بئر حسن للتحقيق معهم، على خلفية تسريب فضيحة سماح وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو لشركة ACUATIVE الأميركية الحصول على كل الداتا المتعلقة بشبكة الاتصالات اللبنانية. شملت عملية الاستدعاء، هذه المرة، عدداً من موظفي مديرية المعلوماتية الحاليين والسابقين وموظفين آخرين موضوعين بتصرف المدير العام. كما تدور الشبهات حول موظفين يعملون في وزارة اﻻتصاﻻت كانوا قد أبدوا صراحة، خلال اجتماعات مع الوزير جمال الجراح ومستشاره نبيل يموت، تحفظهم على هذه الشركة ومهمتها وعلى تزويدها بالمعلومات والمعطيات التي تطلبها، والتي برأيهم، تكشف شبكات الإنترنت في لبنان.في المقابل، كان لافتاً أن أي جهة قضائية لم تحرك ساكناً للتحقيق مع المتهمين الفعليين الذين عرّضوا أمن البلد للانكشاف، لا سيما الجرّاح ويمّوت وعماد كريدية، وحتى للاستماع لشهادة الموظفين الذين سبق أن أبدوا ارتيابهم من الشركة والاتفاقية، لا سيما نوع وحجم المعلومات المطلوبة التي ﻻ تتلاءم مع طبيعة المهمة المعلنة (دراسة تصاميم الشبكة اللبنانية وإجراء تدقيق وتحليل تقنيين على كل تجهيزاتها). ما حصل، كان العكس، إذ قامت الإدارة بإقصاء هؤﻻء الموظفين وإبعادهم وتهديدهم وتهميشهم وإنزال العقوبات بحقهم وترهيبهم. أبرز هؤلاء مدير المعلوماتية السابق توفيق شبارو (موضوع حالياً بتصرف المدير العام)، الذي تبين أنه أرسل أكثر من كتاب إلى كريدية يحذره فيه من كشف قطاع الاتصالات أمام الشركة، لا سيما ما يتعلق بطلبها الحصول على نسخة عن البيانات التشغيلية العائدة لكل مستخدم على الشبكة، مبدياً قناعته بعدم حاجة الشركة إلى هذا الكم من المعلومات لتنفيذ ما هو مطلوب منها.
لم يستجب كريدية لتحذير شبارو، فكانت النتيجة حصول الشركة على كل المعلومات السرية وكلمات ومفاتيح الولوج والمعلومات الهندسية والبرمجية وداتا تنظيم وبرمجة وتشغيل مكونات الشبكة (Network Configuration Data) وجميع المشتركين من جميع الفئات (اﻷفراد، الشركات، المؤسسات العامة والخاصة، اﻹدارات الرسمية، الأجهزة اﻷمنية، السفارات، المنظمات الدولية، المصارف، وشركات توزيع الإنترنت).
هذه المعلومات التي تسلمتها الشركة من قبل أوجيرو، والتي تعني عملياً سقوط شبكة الاتصالات اللبنانية كلياً بيد الشركة الأميركية أو من يقف خلفها، لم تكن الوحيدة، إذ إن ممثلي الشركة سبق أن زاروا كل المراكز التي يريدون زيارتها، ولم يكتفوا بذلك، بل تصرفوا كالمستعمرين وتعاملوا مع الموظفين بطريقة دونية وبلهجة الأمر، معتمدين على أمر تسهيل المهمة الموقّع من كريدية، والذي يسمح لهم بالقيام بأي شيء يريدونه في أي مركز من مراكز الهيئة.
هل كان يمكن لوزير الاتصالات أن يفترض حسن نية الشركة إلى درجة اقتناعه بأن الشركة ستلتزم بسرية المعلومات التي تحصل عليها، على رغم عدم توقيعها أي عقد يلزمها بالسرية؟ وكيف برر تخطي كل مبادئ التعاقد القانونية للتعامل مع الشركة، إلى درجة: عدم إعداد أي دفتر شروط لهذه المهمة، عدم كتابة أية مواصفات تقنية أو تعاقدية، غياب التوصيف الخطي للمهمة المأمولة، عدم وجود مهل زمنية وإطار تنفيذي للمهمة، عدم تعيين مدير للمشروع من الجهة اللبنانية، عدم إجراء مناقصة ﻻ محلية وﻻ دولية أو استدراج عروض، عدم عرض الموضوع على ديوان المحاسبة للحصول على موافقته المسبقة، عدم معرفة الجهة التي تدفع نفقات وتكاليف هذه المهمة...؟
ببساطة، تم تخطي المسار القانوني، وتمرير المهمة تحت جنح التكتم والغموض (رفض كريدية طلب شبارو تسليمه نسخة عن العقد). فكانت النتيجة – الفضيحة، الاتفاق مع شركة ACUATIVE الأميركية على فتح كل أبواب قطاع الاتصالات أمامها، وهي بدورها فتحت باباً خلفياً يمكنها من «شحن» كل ما تحصل عليه من معلومات من دون قيد أو شرط.
أما الفضيحة الأكبر، فهي أن مؤسسي الشركة وأصحابها والمدراء النافذين فيها، يحملون الجنسية الإسرائيلية، وانتقلوا إلى أميركا ليؤسسوا فيها شركتهم، حالهم كحال أكثر الشركات اﻹسرائيلية الموجودة بفعالية في قطاع تكنولوجيا المعلومات في أميركا.
وفي ما يلي عينة عن بعض مسؤوليها الإسرائيليين:
- ريك أكرمان، الرئيس - المدير العام للشركة وأحد مؤسسيها والشريك المساهم اﻷكبر. يهودي، عمل سابقاً في إسرائيل لمدة تفوق العشرين سنة، ومساهم مؤسس في عدة شركات إسرائيلية عاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
- جوش ليفين، نائب رئيس الشركة، المسؤول عن تطوير أعمالها وتوسيع رقعة انتشارها التجاري وتعظيم محفظة عقودها وأسواقها. وهو يهودي عمل سنوات عدة في شركات إسرائيلية متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتدخل عملية تفعيل وتوسعة نشاطات الشركة في دول منطقة الخليج والشرق اﻷوسط، بما فيها دول المواجهة مع إسرائيل، ضمن صلاحياته.
مسؤولو شركة ACUATIVE إسرائيليون... واستحوذوا على معلومات كاملة عن الشبكة اللبنانية


- شاد ميعاد: المدير التقني للشركة ومدير العمليات (Chief Operating Officer)، وهو يهودي من عائلة ألمانية هاجرت إلى فلسطين المحتلة بعد الحرب العالمية الثانية. بعد أن حصّل علومه العليا، انتقل إلى أميركا للعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات. وهو منذ عام 2013 في منصبه كمدير للعمليات ومدير تقني في شركة من ضمن الطاقم التنفيذي العامل مباشرة مع رئيس الشركة ومديرها العام ريك أكرمان.
وبعد ذلك، أليس السؤال مشروعاً عن كيفية سماح الجرّاح ويمّوت وكريدية لهذه الشركة الغامضة بالحصول على هذه المعلومات الخطيرة والدقيقة التي تكشف أمن لبنان لجهات خارجية من دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء والجهات الأمنية المعنية؟ وهل عُرض الأمر على مجلس الوزراء ووافق عليه؟
ومع افتراض أن المعنيين اقتنعوا بالحاجة الماسة لخدمات الشركة، فلماذا لم يتم سؤال مكتب مقاطعة إسرائيل في لبنان عن مدى جواز التعامل معها، بل تم استقدام الطاقم العائد لها من فرعها في الرياض في السعودية من دون المرور على أية جهة رقابية لبنانية من أي نوع كانت. ثم، هل أخذت اللجنة النيابية للاتصالات، علماً بهذا الموضوع؟ وما كان موقفها منه؟ وألا يستوجب اختراق سرية المعلومات والتعدي على شبكة الدولة من قبل شركة إسرائيلية المضمون موقفاً صارماً من اللجنة؟ وهل هناك من رابط بين ما تم كشفه أخيراً عن خرق لشركات خاصة وأجهزة أمنية لبنانية وبين المعلومات التي تم تسليمها لهذه الشركة؟.