وقعَ رئيس الحكومة سعد الحريري في فخّ تسرّعه بإعادة ترشيح النائبة المطعون في نيابتها ديما جمالي، إلى الانتخابات الفرعية في طرابلس. لم يكُن قد أجرى بعد حسابات ذهابه إلى المعركة. أطلق موقفه من دون التنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي. خطوة دفعت الأخير إلى التلويح بدعم جمالي من دون تفعيل ماكينته الانتخابية، في مقابل حماسة الوزير أشرف ريفي لتكرار تجربة الانتخابات البلدية. دخول ريفي على الخط أعاد تسخين الاتصالات بينه وبين تيار المستقبل عبر الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق رشيد درباس، خوفاً من أن يؤدي تشتت الأصوات إلى نجاح أي اسم يرشّحه فريق ٨ آذار، فيما يقرّ الجميع بأن لا حيثية شعبية لجمالي في المدينة. علم الحريري أن معركة مرشحته صعبة، فلجأ إلى نائب صيدا السابق لحثّ ريفي على الانسحاب. وأدت مبادرة السنيورة إلى لقاء جمع الحريري وريفي في منزله مساء أمس، بحضور درباس. خلاصة ما جرى أن الضائقة الشعبية التي تعاني منها جمالي، دفعت الحريري إلى التنازل، وقبول لقاء غريمه الطرابلسي. تنازل في الشكل وفي المضمون. شكلاً، رفض ريفي أن يكون الاجتماع في منزل رئيس الحكومة في وادي أبو جميل، فكان له ما أراد بالاجتماع في «أرض محايدة». أما في المضمون، فقد تجاوز الحريري «الطعنة» التي سبق أن وجهها إليه ريفي، باستقالته من الحكومة أولاً، وبأداء دور سلبي إبان أزمة احتجاز رئيس الحكومة في السعودية ثانياً، وبالتحريض على رئيس تيار المستقبل شعبياً وإعلامياً بذريعة التفريط بـ«الثوابت» السياسية لفريق 14 آذار. أما ريفي، فقد قدّم تراجعاً لجهة تصالحه مع الحريري بعدما وصل الأخير إلى ذروة ما يرى فيه الوزير السابق تنازلاً سياسياً، لجهة تأليفه حكومة «بشروط حزب الله» وتعيين وزير «محسوب على النظام السوري» لإدارة ملف النازحين السوريين، وقبوله توزير أحد «سنّة 8 آذار»، وتحديداً أحد ألدّ خصومه (حسن عبد الرحيم مراد).مصادر مطلعة نفت أن يكون توقيت الزيارة مرتبطاً بعودة الحريري من الرياض، مؤكدة أن ما جرى أمس «محلّي، وتحديداً طرابلسي». فالحريري لا يريد أن يخسر مقعداً في طرابلس، وريفي لا يضمن استعادة «موجة» الانتخابات البلدية قبل ثلاث سنوات، عندما فازت اللائحة التي دعمها بغالبية مقاعد المجلس البلدي لعاصمة الشمال. كذلك فإن ريفي، الذي لمس - بعد خسارته الانتخابات النيابية - النتائج السلبية لخروجه من السلطة ومن تيار المستقبل، لن يخاطر بخسارة معركة نيابية ثانية في غضون أقل من عام، وبات أكثر «واقعية من السابق» بعدما خذله داعموه في السعودية والإمارات.
تنازل الحريري شكلاً ومضموناً، بقبوله مصالحة ريفي في منزل السنيورة


مصادر اللقاء أكدت أن «الاتصالات بدأت منذ نحو أسبوع»، مشيرة إلى أنه «بعد مبادرة السنيورة، اتصل ريفي بدرباس وعبّر عن استعداده للتشاور»، فأبلغ درباس الحريري أن لدى «اللواء نية طيبة. صحيح أن لديه اعتراضات على أمور عدة، لكنه يريد التعاون في طرابلس». في هذه الأثناء عاد السنيورة وتولى الاتصالات وأبلغ درباس بعدَ يومين أن اللقاء سيعقد في منزله، إذ إن ريفي لم يكُن يحبّذ الحضور إلى منزل الحريري. أضافت المصادر: «لم نكن نتوقع أن الجلسة ستكون سلسة، فقد انكسر الجليد بين الرجلين منذ الدقائق الأولى». إذ «استهل رئيس الحكومة الحديث بكلام عاطفي»، فقال إن «هذا اليوم عزيز عليّ، ونحن بيت واحد»، فردّ ريفي: «وأنا أيضاً أعتبر أننا أبناء بيت واحد». هنا، تدخل درباس متوجهاً إلى ريفي بالقول: «لك كل الحق في أن تختلف معي بالسياسة أو مع الرئيس الحريري. حتى أنا والرئيس السنيورة نختلف معه على كثير من الأمور»، واستكمل كلامه مع الحريري: «الفرق أننا أصحاب رأي وأنت صاحب قرار، لكن نبقى عائلة واحدة». وأشارت المصادر إلى أن ريفي بادر إلى الحديث عن الانتخابات في طرابلس، فقال إنه لا يريد خوض معركة في هذا الوقت». علماً أن المعلومات كانت تشير إلى «عرض تقدم به بالتراجع عن الترشح مقابل سحب ترشيح جمالي والاتفاق على مرشح وسطي». وبعد الاتفاق على ما يسميه الطرفان «طيّ صفحة الماضي والتعاون والتناغم في المرحلة المقبلة»، وضع الحريري بحسب المصادر المجتمعين في أجواء زيارته المملكة العربية السعودية، قائلاً إنها «كانت جيدة جداً».
وبعد اللقاء قال الحريري في تصريح له: «طوينا صفحة الماضي، وكلّ ما نراه اليوم من توافق وإجماع هو لمصلحة طرابلس». من جهته، رأى ريفي أن «البلد بخطر، والأولوية لمواجهة التحديات». وعلق ميقاتي على اللقاء عبر «تويتر» فكتب: «نثمن اللقاء الذي تمّ اليوم (أمس) في دارة الرئيس فؤاد السنيورة وجمع الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي في حضور الوزير رشيد درباس. ونجدد التأكيد أننا على تفاهم ثابت مع الرئيس الحريري لمصلحة طرابلس، ومنفتحون على التعاون مع كل القيادات اللبنانية وفق الثوابت الوطنية الجامعة».