في توقيت شديد الحساسية، أعادت جريدة «نيويورك تايمز» الاميركية نشر تفاصيل عن قضية تعود لعام 2013، تزعم فيها عارضة أزياء جنوب أفريقية أن الرئيس سعد الحريري دفع لها مبلغاً يعادل 15.3 مليون دولار، بعد علاقة حميمة جمعتهما.ومع أن «الفضيحة» قديمة وتعود إلى ما قبل ستة أعوام، إلّا أن نشرها في هذا التوقيت والحديث عن حصول الصحيفة على مئات الوثائق القضائية التي تشرح تفاصيل الدفعات التي حصلت عليها العارضة كانديز فان دير ميروي، يعيدان وضعها في الواجهة بقوّة، خصوصاً في ظلّ الأزمة الحالية في البلاد والظروف المالية الصعبة التي يمرّ فيها الحريري تحديداً.
ولا يغيب السؤال عن سبب النشر في هذا التوقيت في نيويورك تايمز، علماً بأن وسائل إعلام أجنبية سبق أن نشرت التفاصيل في الرابع من كانون الاول 2018. ويأتي السؤال عن التوقيت ربطاً بالضغوط الأميركية تحديداً التي يتعرّض لها لبنان والعقوبات التي باتت سيفاً مصلتاً على عدد من القوى والشخصيات السياسية، والحديث عن ضرورة إبعاد الحريري عن حزب الله والضغط عليه لاتخاذ مواقف أكثر تمايزاً، وصولاً إلى الانقلاب الكامل.
فعدا عن الإحراج الشخصي الذي سيسبّبه الأمر لرئيس الحكومة، والذي من الممكن أن يدفع أي رئيس للحكومة في أي بلد في العالم إلى الاستقالة، يأتي قرار النشر في وقت يقوم فيه عدد من «أصدقاء» الحريري بإقناعه بضرورة الاستقالة وتفادي حصول الانهيار في عهده. فالبلاد تنوء تحت أزمة اقتصادية ومالية ونقدية ظهرت أخيراً على شكل «شح» في الدولار في السوق، من دون أفق لحلها بشكل نهائي، والحريري نفسه يعاني من أزمة مالية خانقة دفعته أخيراً إلى إقفال تلفزيون «المستقبل» ولا يزال الموظفون من دون حقوقهم، فيما يقوم أكثر من طرف محلي ودولي بتحميله مسؤولية عدم تنفيذ الإصلاحات التي تعهّد بها للحصول على قروض مؤتمر «سيدر».
أما مطلب الاستقالة، فبات متصلاً بأجواء في البلاد عن دفع أميركي للحريري نحو الاستقالة عبر رفع الضغط على الحكومة وعليه شخصياً، في حال لم يستجب للشروط. من هنا، وليس دفاعاً عن الحريري، لكن يضع أكثر من طرف سياسي وازن تفجير نيويورك تايمز للقضية من جديد، في إطار الضغط على رئيس الحكومة، وليل أمس عبّر أكثر من طرف عن مخاوفه من ضبابية المرحلة المقبلة.
وقبل انتشار مقال «نيويورك تايمز»، كان الاجتماع الذي عقد بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد خطف الاهتمام على المستوى السياسي والاقتصادي. وبدا الاجتماع شكلياً أكثر منه عملياً، تحديداً لناحية تظهير سعي عون وسلامة والحكومة إلى إيجاد حلول للأزمة، أو الحدّ منها على الأقل ومنع تطورها في المرحلة المقبلة. وبحسب مصادر القصر الجمهوري، فإن اللقاء كان إيجابياً حيث قدّم سلامة لرئيس الجمهورية شرحاً وافيا للأزمة وما حصل من تطوّرات في الأيام التي أمضاها عون في نيويورك. والأهم، هو وضع عون في ضوء الخطوات التي سيشرع المصرف المركزي في تنفيذها بدءاً من اليوم، لناحية حلّ أزمة شراء النفط والقمح والمواد الأساسية الاخرى من الخارج بالدولار، إذ إن المصرف المركزي سيعمد إلى فتح اعتمادات محددة لهذه السلع وسيزوّد المصارف بالكميات المطلوبة من العملة الصعبة بما يضمن استمرار استيراد هذه السلع وقيام التجار بدفع المستحقات عليهم للتجار في الخارج بالدولار الأميركي. كما اتفق سلامة مع عون على ضرورة الإيعاز إلى المصارف بتخفيف الحمل عن المواطنين، والقيام بالتسهيلات، وأبرزها تقاضي دفعات تسديد القروض بالليرة اللبنانية ولو كانت القروض بالدولار الأميركي، وهو ما أدى إلى صدور تعميم من جمعية المصارف تحدّث عن تمنّي سلامة على البنوك «التعاون مع صغار المقترضين لتسوية قروضهم بالليرة اذا كانت مداخيلهم بالليرة».
في موازاة الضغوط الأميركية، تلقّى الحريري نصائح من «أصدقاء» بالاستقالة!


وتقول مصادر القصر إنه لا يمكن الاستمرار في سياسة الشائعات التي يقوم البعض بافتعالها في البلاد لأسباب سياسية، إذ إن الاقتصاد، وخصوصاً القطاع المصرفي، قد يتعرّض لهزات بسبب الشائعات التي لا أساس لها من الصحة، والتي تفقد الناس والمودعين الثقة بالقطاع المصرفي وبالدولة. من هنا، أتى تعميم القصر الجمهوري المواد الجرمية التي يحاسب فيها القانون مطلقي الشائعات في بيان أمس، لا سيّما ذكر المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدد ماهية النشر، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه والتي تحدد العقوبات التي تنزل بمرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة المالية. وتقول المصادر إن نشر هذه المواد، هو بمثابة دقّ جرس إنذار وتنبيه للقضاء حتى يتحرك، لوضع حدّ لتلك الشائعات التي تعرّض الأمن الاقتصادي للخطر الشديد.
أما حركة الشارع فقد خفتت أمس، بعد الأحد الملتهب قبل يومين. إلّا أنه سجل قطع لطريق صيدا ــ صور في منطقة الغازية، وتجمّعات لبعض المواطنين في الشمال. أما في وسط بيروت، فلم تفلح الدعوات في حشد أعداد من المتظاهرين، فاكتفى عشرات المتظاهرين بالسير نحو شارع الحمرا والهتاف بإسقاط سلامة.