تحوّل مدخل شارع الحمراء، أمس، إلى «ساحة معركة» بين قوى مكافحة الشغب والمعتصمين أمام المصرف المركزي، إذ لاحقتهم بالغاز المسيّل للدموع إلى الشوارع المتفرّعة. المواجهات استمرّت لساعات، وأسفرت عن اعتقالات في صفوف المعتصمين وجرحى وحالات إغماء، بعدما أمطرت القوى الأمنيّة قنابل الغاز فوق رؤوس المحتجّين. أولئك تضاعفت أعدادهم بعد بدء عنف القوى الأمنيّة أمام المركزي، فانضمّت إلى المعتصمين أعداد إضافيّة شكّلت «دعماً» طلبه المعتصمون عبر مجموعات تطبيق «الواتساب»، ناقلين أخبار قمعِهم. تراجعَ المعتصمون إلى داخل شارع الحمراء، وصولاً إلى تقاطع «فرنسبنك»، وتركوا آثار غضبهم على واجهات فروع المصارف والصرافات الآليّة الكائنة في الشارع.عنف القوى الأمنيّة في الدفاع عن المصارف وحمايتها كان قد ظهر في أكثر من حادثة أمامها خلال الانتفاضة، وتجدّد أمس، لحماية مصرف لبنان و«سوره» الذي أسقطه المنتفضون أول من أمس، وعادوا لإسقاطه مرّة ثانية أمس، بعدما أُعيد رفعه في أقلّ من 24 ساعة. هناك بدأ كلّ شيء، وبسبب السور تدحرجت كرة العنف الأمني مقابل شغب المحتجّين.
قبل تضاعف أعداد المحتجّين، كانت مجموعات من «مجموعة شباب المصرف»، «الحركة الشبابيّة للتغيير»، قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني، قد تداعت إلى تجمّعٍ أمام المصرف المركزي، الخامسة عصراً. مجموعة شباب المصرف «قيد التنسيق مع ناشطين في مختلف المناطق للتحرّك أمام باقي فروع مصرف لبنان في الأيام المقبلة»، وفق ما يقول أحد الناشطين في المجموعة لـ«الأخبار»، ويضيف «لم نترك اعتصامنا أمام المركزي خلال تسعين يوماً، لأننا ندرك أنه أساس المشكلة، واليوم عاد المعتصمون إليه وهذا أفضل ما نتمنّاه». المجموعة لم تغادر من أمام المركزي حتى مع انخفاض زخم الاعتصامات، وكانت تعيد «رشّ» جدرانه بالشعارات كلّما أُعيد طلاؤها. أما ناشطو «الحركة الشبابيّة للتغيير» وشباب الشيوعي فكانوا قد توجّهوا إلى فروع المصارف واعتصموا فيها أكثر من مرة.
غير أنّ العودة في اليومين الماضيين، كانت «أقوى»، إذ حظيت بزخم ليل الاثنين - الثلاثاء، حيث استمرّت أعمال الشغب إلى الواحدة بعد منتصف الليل، وأوقع المحتجّون «سور» باحة المركزي وتواجهوا مع «مكافحة الشغب»، وذلك بعد انضمام أعداد إضافيّة من المحتجّين. الأمر نفسه تكرّر أمس، بعد اعتصام الخامسة الذي أُتبع بمسيرة جالت في شارع الحمراء وعادت إلى مصرف لبنان قرابة الثامنة. وعند محاولة المعتصمين إسقاط سور المصرف والدخول إلى باحته، «انقضّت علينا قوى مكافحة الشغب، وأحاطت بنا، ووقع بيننا جرحى واعتُقل اثنان من الناشطين لم نعرف اسميهما، حينها انسحبنا إلى فرنسبنك لكننا لم نوفّر في طريقنا فروع المصارف من التكسير... لأنّها المسؤولة عن وضعنا الاقتصادي».
ليل الاثنين، «انضمّ إلينا بعد بدء عنف القوى الأمنيّة شباب من الضاحية ومناطق أخرى، أولئك كانوا يشاركوننا الاعتصامات في الأيام الأولى، نحن تحدّثنا إليهم وخضنا نقاشات معهم، هم ليسوا حزبيّين بالمعنى المنظّم، لكنّهم ضاقوا مثلنا ذرعاً من سعر الدولار وغلاء الأسعار والمماطلة في إيجاد حلّ للحكومة وتلويح المصارف بالإضراب. نخاف من قرارات حزبيّة تمنعهم من النزول، لأننا بكلّ صراحة، نعوّل عليهم!»، وفق أحد الناشطين الدائمين أمام المصرف. يتابع «اليوم (أمس) جلنا ظهراً على محالّ الصيرفة في الحمراء واعتصمنا أمامها، فالتزمت الإقفال لبعض الوقت. وعند الخامسة دعونا إلى الاعتصام أمام المركزي، لكننا قرابة التاسعة بعد تجدّد عنف الأمن، طلبنا دعماً من كل مجموعات الواتساب وعبر مواقع التواصل».
بعد تجدّد عنف الأمن، طلبنا دعماً من كل مجموعات الواتساب وعبر مواقع التواصل


إسقاط السور الخارجي للمركزي، المصنوع من الخشب والحديد، وهو عبارة عن جدار رُفع خلال أعمال الصيانة والتبليط الجارية في باحة المصرف، تحوّل إلى «هدف» المنتفضين الوحيد أمام المركزي، للوصول إلى باحته التي تحميها بـ«شراسة» قوى مكافحة الشغب، إضافة إلى الهتافات والشعارات ضدّ رياض سلامة والمصارف. أولئك لطالما ردّدوا هتافات «رياض سلامة حرامي» و«تسلم إيدك علي شعيب (منفّذ عمليّة اقتحام بنك أوف أميركا)»... لكنّهم حتى الآن يواجَهون بعنف شديد في محيط المصارف، وينتظرون كما يقولون «تضاعف أعداد المحتجّين وخاصة بغياب أي حلّ حكومي وتلاعب الصرافين والمصارف بسعر الصرف وغلاء المعيشة... عندما يصبح الدولار بثلاثة آلاف، لن نبقى وحدنا، وسينزل الجميع!».



... وجمعيّة المصارف... «تحترق»
بالتوازي مع المواجهات في شارع الحمرا، هاجم منتفضون مبنى جمعية المصارف عند تقاطع الجميزة ــــ الصيفي، وأضرموا النار في مدخلها. وطوال نهار أمس، عاد قطع الطرقات وإشعال الإطارات ليعمّ مختلف المناطق، بما يشبه الأيام الأولى لانتفاضة 17 تشرين. عمليّات القطع انطلقت فجراً، عند محوّل نهر الموت مع تسرّب لمادتي المازوت والزيت، الأمر نفسه تكرّر في ذوق مصبح وعالجته قطعات السير المعنيّة.
إقفال الطرق العامة والتقاطعات الأساسيّة جرى بشكل متقطّع خلال اليوم، حيث كانت القوى الأمنيّة تفتح الطرقات، ثمّ يعاد إقفالها، وتجدّدت الزحمة في الطرقات الفرعيّة والطريق البحرية. القطع شمل: ساحة جديدة المتن، تحويطة فرن الشباك، أوتوستراد الرئيس إميل لحود باتجاه الكرنتينا، جسر الواطي في سن الفيل، نهر الموت، أول جسر الدورة، جل الديب، أوتوستراد جونية، تحت جسر غزير، مستديرة جبيل، البترون، شكا، تقاطع المدينة الرياضيّة، جسر الكولا، كورنيش المزرعة، تقاطع قصقص، فردان (تقاطع دار الطائفة الدرزية)، أوتوستراد الجيّة عند مفرق برجا، أوتوستراد خلدة، أوتوستراد الأوزاعي، الناعمة، الكحالة، صوفر، أوتوستراد عاليه عند مفرق شويت. كما تجدّد قطع الطرق والاعتصام عند برج الغزال وجسر الرينغ وتقاطع الصيفي وأمام مصرف لبنان في الحمرا.