يوم أطلقت الحكومة اللبنانية رحلات «العودة الآمنة» للبنانيين في الخارج، اتّخذت قرارها على قاعدة أنّ هؤلاء مواطنين يحقّ لهم العودة إلى بلدهم، مُوسّعةً البيكار ليشمل كلّ المُقيمين في بلدان الاغتراب (ممّن يستوفون المعايير الموضوعة)، من دون أن تنحصر العملية بالطلاب أو ممّن كانوا في رحلة قصيرة وفاتتهم العودة قبل إقفال المطار. تقريباً، انفرد لبنان بهذا القرار، مقارنةً ببقية دول العالم التي لم تعمل على إعادة عائلات مُقيمة في بلدانٍ أخرى. كان يُفترض أن لا تكون قد بدأت الرحلات قبل تثبيت استراتيجية مُتكاملة: الدول التي يوجد فيها المغتربون، أعدادهم، حركة الطيران من بيروت وإليها، ما البديل في حال لا يوجد خطّ رحلات مُباشرة، المواكبة الصحية للعودة... لكن مع انطلاق المرحلة الثانية، تبيّن وجود ثغرة أساسية: التجزئة بين اللبنانيين وعدم المساواة بينهم. فما هو مصير اللبنانيين في أميركا اللاتينية؟ ولماذا لم تمتدّ «الأجنحة الوطنية» لتشملهم؟ في البرازيل، جالية لبنانية كبيرة، وفيها ثلاث بعثات دبلوماسية: السفارة اللبنانية في برازيليا، القنصلية العامة في ساو باولو، والقنصلية العامة في ريو دي جانيرو. ألم يُسجّل أحد اسمه للعودة؟ يقول القنصل العام في ساو باولو، رودي قزي إنّه «تسجّل قرابة 500 شخص، غالبيتهم في ساو باولو والمناطق التابعة لها». وكلّما تأخر قرار إعادتهم، سترتفع أعداد المُسجّلين وتزداد النقمة في صفوفهم لعدم أخذ وضعهم بعين الاعتبار. في الدرجة الثانية، وبفارق كبير، تأتي المكسيك بوجود أقل من 100 شخص يريدون العودة، وتقريباً 3 لبنانيين من الأرجنتين. ولا واحدة من رحلات العودة لحظت هذه الدول، «لأنّه إمّا أنّ شركة طيران الشرق الأوسط لم تفتح خطّاً نظامياً إلى أميركا اللاتينية، أو لم تحصل على إذن لتهبط في المطار»، بحسب قزي. بين الـ500 المُسجلين في البرازيل، هناك طلّاب وسياح ورجال أعمال غير مُقيمين في تلك البلاد، «يُشكّل هؤلاء أولوية ليعودوا إلى لبنان».
راسل الدبلوماسيون اللبنانيون وزارة الخارجية والمغتربين لحلّ هذه المعضلة، فكان الجواب بالتنسيق مع البعثات الزميلة في أوروبا، حول إمكانية أن تُجيّر مقاعد على رحلات مُخصّصة لها للعائدين من أميركا اللاتينية. المشكلة هنا تنقسم إلى اثنين، القسم الأوّل إيجاد «دبلوماسي انتحاري» يقبل أن يتنازل عن مقعد لأحد اللبنانيين التابعين لدائرة عمله لصالح لبناني مُسجّل في بعثة أخرى، والقسم الثاني هو أنّ المقاعد الشاغرة الوحيدة التي وُجدت هي في درجة رجال الأعمال الباهظة الثمن. اللافت أنّ هذه العقبة لم تظهر في أميركا الشمالية. فبعد أن رفضت مونتريال طلب الـ«ميدل إيست» الهبوط لديها لأسباب سياسية تعود إلى الثمانينات وتفجير المارينز في بيروت، تقرّرت إعادة 180 لبنانياً من الولايات المتحدة و130 لبنانياً من كندا عن طريق لندن وباريس.
تقرّر إعادة 310 لبنانيين من الولايات المتحدة وكندا عبر أوروبا


الخوف من تفشّي الوباء في العالم، والتوتّر للعودة إلى البلد، يضع الدبلوماسيين اللبنانيين في «خطّ الجبهة الأمامي» بالتعامل مع الجاليات. صحيحٌ أنّ بعضهم دخل «لعبة المحسوبيات»، ولكن بعضهم الآخر يُعاني من ضغوط جدية، أكان نفسية أم جسدية، في حين أنّهم لا يملكون الأدوات التنفيذية اللازمة لخدمة كلّ أبناء الجاليات المسؤولين عنها. الدبلوماسيون بنظر المغتربين هم من يُحدّد جداول أسماء العائدين، ومن يتولّى بيع تذاكر الطيران، أي من يُعتقد أنّه الوحيد الذي يملك «حق الفيتو» في تسيير رحلات العودة، إلى درجة أنّ أحد الدبلوماسيين في تركيا هُدّد بالقتل لهذا السبب. الكثير من اللبنانيين باتوا يُريدون العودة ويعتبرونها «حقّاً» لهم طالما أنّها أُعطيت لمواطن آخر. لا سيّما أنّه في البداية سُمّيت العملية «إجلاء» (كان لها وقع سلبي في بلدان أفريقية حيث اعتُبرت إهانة لتلك الحكومات)، ويُفترض بها أن تعني «سحب» الجميع من دون تمييز. قلة الرحلات وأعداد المُغادرين والمُلاحظات على كيفية تشكيل اللوائح، دفعت جاليات عدّة إلى التحدّث مع الدبلوماسيين بأنّه على وزارة الخارجية أن تدفع باتجاه فتح المطار حصراً أمام اللبنانيين، مع زيادة نسبة فحوصات الـ«PCR» وأماكن الحجر. مطلب الجاليات شكّل مدار بحث بين الدبلوماسيين، الذين تقول مصادر في الوزارة إنّ عدداً منهم أرسل تقارير دبلوماسية إلى الإدارة المركزية يتحدّث عن فتح المطار لفترة مُحدّدة، حتى يتمكّن كلّ اللبنانيين الراغبين في العودة من الاستفادة من القرار، بعيداً عن تقسيم الرحلات بهذه الطريقة. المُقتنعون بهذه الخطوة، يُشيرون إلى أنّ أهميتها أن «تُنفذ قبل 8 حزيران حين ستُصبح إمكانية السيطرة على الوضع صحياً أصعب. وهناك مسؤولية وطنية، لأنّه من غير المقبول أن يُطلب من السفير التمييز بين مُقيم وآخر في الخارج، حتى ولو وُضعت معايير»، ويذكرون وجود «فائدة اقتصادية» من القرار لأنّ المُغترب سيشعر لمرّة أنّ «دولته تقف إلى جانبه ولا تسأل عنه فقط حين تُريد المال، وهو حين يأتي سيكون معه أموال جديدة وقادراً على أن يُساهم في تحريك العجلة الاقتصادية».
ماذا تقول وزارة الخارجية والمغتربين؟ لا يُخفي المسؤولون وجود نقمة لدى الجاليات «التي تُريد جميعها العودة». ولكن بالنسبة إليهم «القصة غير محصورة بنا، بل هناك وزارة الصحة واللجنة الوزارية من يُقرّر». تستبعد «الخارجية» فتح المطار، وتتحدّث عن الالتزام بالمعايير الأساسية «الحالات المرضية، الطلاب والسياح، والأشخاص الذين باتوا بلا عمل أو مأوى».