يُصرّ رئيس تكتّل «لبنان القوي»، جبران باسيل، على ادعاء «الوحدة». يصُح ذلِك، إن كانَت السرديات التي يُقدمها وزير الخارِجية السابِق كافية لإقناع حلفائِه قبلَ خصومه. لا يتكلّم إلا بلغة المتروك، بلا ناصِر ولا مُعين على أرض المعركة، مُطلقاً إشارات «حمّالة أوجه» في اتجاه حزب الله، مِن دون أن يُسمّيه. إشارات زادَت في الآونة الأخيرة، وتوسّعت معها دائرة الاستفهام التي تطبَع علاقة الطرفين. الأكيد أنهما لا يلتَقيان إلا على قضية استراتيجية تتصل بعنوان حماية لبنان من العدو الإسرائيلي وتثبيت الردع مع هذا العدو، مع اختلاف أيضاً في النظرة إلى هذا العدوّ (حق «إسرائيل» في الوجود). أما في الداخِل، فكل ما بينهما يكاد يصبح متناقضاً. يسيران على خطّين متوازييْن، يُصعّب وصولهما إلى نقطة مُشتركة، سواء لجهة علاقة باسيل مع كل القوى الحليفة للحزب، أم لجهة مقاربتهما للملفات المالية - الاقتصادية، وهو ما تظهّر في مواقفهما في الهيئة العامة لمجلِس النواب أو جلسات اللجان المشتركة، وصولاً إلى مجلس الوزراء.يُمكِن وصف باسيل بـ«الصُداع الدائم» للحزب. ينجَح غالباً في استدراجِه إلى خانة التضامُن معه، حتى على حساب حلفائه الآخرين، ثم ينكُر ذلِك عند أصغر ملفّ لا يبصُم عليه الحزب بالشكل الذي يُريده باسيل. فخروجه عاتباً في مؤتمره الصحافي الأخير، شاكياً بأن لا«حليف» له في مُحاربة الفساد، إنما مردّه الانزعاج من تصويت وزراء الحزب في الحكومة ضدّ معمَل «سلعاتا»، وهو الطامِع أبداً لجرّ حارة حريك إلى خياراتِه، مهما كانَت. أما مُفارقاته المُثيرة للدهشة، فهي انتقاده لتموضع الحزب السياسي إلى جانِب الرئيس نبيه برّي، وهو يُدرِك جيداً عمُق العلاقة ومتانتها، وأنها للحزب «أمن قوميّ». مع ذلِك، يستطيع في لحظة أن يُجَمّد حملته التعبوية ضد عين التينة، ويزور رئيس مجلِس النواب من دون أن يُثير أي ملفّ خلافي معه، بل يتعامل معه بودّ مُطلق، بعدَ أن أوجَع رأس الحزب مِراراً بافتعاله المشاكِل داخِل البيت الواحد.
وليسَت المُشكلة الأخيرة مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بعيدة عن أسباب «العتب السرّي»، إذ يرى باسيل أن الحزب لم يقف إلى جانبه في ملف «الفيول المغشوش»، رغم دعوة الحزب، على لسان نائب أمينه العام، الحلفاء إلى تسليم المشتبه فيهم إلى القضاء.
يُقرّ الحليفان بوجود اختلافات في السياسة، كما في ملفات حيوية مُرتبطة بعنوان المرحلة: الاقتصاد والمال، لكنها «تحتَ سقف التحالف الاستراتيجي» و«فوق أي محاولات النيل من هذا التحالُف». هذه «مُسلمة» وفقَ ما يقوله نوابهما. من الطبيعي أن لا يكون هناك رأي موحّد بين الحزب والتيار، فالانقسام أصبَح داخِل التيار نفسه. على سبيل المثال، ما حصل في الهيئة العامة، حين صوّت عونيون ضد اقتراح قانون مقدّم من حزب الله وحركة أمل لتعديل آليات محاكمة الوزراء. وفي مثال آخر على المقاربات المختلفة، يتحدث الطرفان عن الكهرباء، خاصّة في شأن إنشاء ثلاثة معامِل، وهو ما رفضه الحزب منذُ حكومة الرئيس سعد الحريري. ومثال ثالث، وهو اختلاف جوهري، ظهر في لجنة المال والموازنة، أثناء نقاش الخطة الاقتصادية للحكومة، عن حجم المسؤولية التي تتحملها المصارف والدولة في موضوع الخسائر. ففيما يجنَح العونيون أكثر في اتجاه تحميل الدولة مسؤولية أكبر، وهو موقف عبّر عنه باسيل أخيراً، يُصرّ الحزب على أن مسؤولية المصارف يجِب أن تنسجِم أقله مع حجم المغانِم التي اكتسبها أصحابها في العقود الأخيرة. وللطرفين مقاربة مُختلفة في ما يتعلّق بأصول الدولة والخصخصة، وهي نقطة يُعارضها الحزب، بينما يؤكد العونيون أنهم لا يطرحون الأمر من زاوية الخصخصة، بل الاستثمار في بعض القطاعات التي تؤمن أرباحاً للدولة. حتى في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، ينطلِق العونيون من حاجة البلد إلى سيولة بالعملة الأجنبية، وأن لا وجود لخيار آخر سوى «الصندوق»، مع تأكيدهم عدم القبول بأي شروط سياسية.
يُقرّ الحليفان بوجود اختلافات في الملفات الاقتصادية والمالية


آخر النكزات العونية لحزب الله أتت أمس من النائب زياد أسود، الذي أشعل سجالاً حين علّق (على قناة «أو تي في») على السياق السياسي للأزمة الاقتصادية بأنه «لا يُمكِن حمل البارودة والشعب جوعان، اللي بدو يحمل بارودة بدو يكون شعبو مرتاح». ومع أن أسود أشار إلى أن ما يقوله «هو رأي الأميركيين»، وأن المشكلة هي في «عدم وعي الداخل وتحصين البلاد ضد الفساد»، غمز من باب أن «الحزب لن يستطيع الصمود من دون تضامن وطني، وأن على الحزب أن يعرف بأنه لا يُمكن أن يجمع بين الفساد والمقاومة، لأن ذلك سيؤدي إلى تفكك من حوله في الداخل». مصادِر في التيار الوطني الحر رأت أن أسود «كانَ يوصّف حالة ولا يتبنّى رأياً». لكن كلام النائب الجزيني أثار الكثير من اللغط، خاصة بعدما أثنى عليه القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش، الذي اعتبر تصريح أسود «مسؤولاً ومنطقياً وبارقة أمل للبنانيين حول مصلحتهم بدل المتاريس الإقليمية». فهل أضمَر أسود في موقفه هذا تحاملاً على حزب الله لتحميله ما يتعرض له اللبنانيون من حصار وتجويع؟ وهل هذا موقف حزبه أم رأي شخصي؟
رغم ما تقدّم، يجتمِع الحزب والتيار على ضرورة عدم تفجير التناقضات بينهما. فالخلافات الداخلية يُنظَر إليها بكثير من الانزعاج من قبلهما، في لحظة انهيار تفرِض ترتيب الأولويات التي تنحصِر اليوم بالأزمة الاقتصادية والمالية.