رغم كل ما يُشاع عن تقديم رئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي تشكيلة حكومية اليوم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، لم تكن دوائر القصر قد تبلغت حتى مساء أمس أي طلب من ميقاتي لزيارة القصر الجمهوري. فعلياً، لا تقدّم يُذكر في مسألة التشكيل، بل ما زالت الأمور على ما كانت عليه قبيل أسبوع، أي عند الزيارة الأخيرة لميقاتي حيث «قدّم تصوّراً ينسف كل ما جرى الاتفاق عليه بينه وبين عون مما أعاد الأمور إلى النقطة الصفر»، على ما تقول مصادر مُطّلعة. فالأجواء الإيجابية التي رافقت اتفاق عون وميقاتي على توزيع الحقائب على الطوائف بانتظار إسقاط الأسماء عليها، تبدلت سريعاً الاثنين الفائت مع تقديم ميقاتي صيغة مخالفة تماماً، مما وضعته مصادر مقربة من القصر في إطار «أمر عمليات بوقف الحكومة». ولغاية الآن، «لا مؤشرات على أن التدخل خارجي في حين أن واشنطن وباريس، والأخيرة بشكل خاص، تضغطان باتجاه تشكيل حكومة. ولا يمكن لميقاتي بأي حال من الأحوال مخالفة الرغبة الفرنسية». أما التذرّع برفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سقف المواجهة مع الغرب بإعلانه استقدام سفن نفط إيرانية، فـ«ليس في محله»، على ما ترى المصادر، لأن «حزب الله لا يفجّر الحكومة وهو حريص على تشكيلها ولديه كل أدوات التسهيل». بالتالي، لا يبقى في الميدان إلا تدخل رؤساء الحكومات السابقين على رأسهم سعد الحريري، ما يطرح سؤالاً أساسياً: «هل أصبح ميقاتي أسير وحش نادي رؤساء الحكومات الذي ساهم في نشأته؟». وتخلص المصادر إلى أن «الرئيس عون ينتظر ما سيقدّمه ميقاتي الذي وعد بحلّ المشكلة التي نشأت نتيجة التغيير في الاتفاق... لكنه من يومها ذهب ولم يعد»!
تراوحت الافتراضات في شأن ولادة الحكومة بين الجزم بأن الاتفاق السياسي ــــ التقني يمضي قُدماً في تذليل آخر العقبات قبل الإفراج عنها في غضون أيام، وبين تكهنات بأن الإيجابية المفاجئة مجرّد مناورة. فيما نشطت، أمس، التسريبات مِن جانبَي الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، مُتحدثة عن ورقة جديدة، إما أن تُفضي مع نهاية الأسبوع إلى حكومة توفّر الحد الأدنى من مقومات إمرار هذه المرحلة الحساسة، وإما فرملة الاندفاعة مع إطلاق العنان لتوقعات حول تداعيات الفشل، الأكيد أن الاعتذار ليسَ بينها. إذ أن اتفاق الإطار الذي وضِع للحكومة، ووافق الرئيسان عليه، يعني أن شدّ الحبال يبقى «ضمن تحسين الشروط»، مِن دون أن يصِل إلى حد تهديد الركائز التي بُنيت عليها الخريطة الحكومية من «العدد إلى عدم المداورة في الحقائب السيادية، وعدم إعطاء الثلث المعطل لأي فريق». لذا تضع دوائر سياسية التعثّر الذي أصاب مسار التأليف في إطار «محاولة تأمين المخارِج المُمكنة للاعتراضات التي وضعها كل من عون وميقاتي على بعض الأسماء المتبادلة». وإذ لم تشأ هذه الدوائر كشف المخارج التي لجأ إليها الرئيسان، بدت مطمئنة إلى أن الحكومة تشقّ طريقها إلى الأمام.
في المبدأ، تُشير هذه الدوائر إلى تغييرات طرأت على الأسماء التي وضعها كل من عون وميقاتي. ففيما العقد حُصِرت أخيراً بين وزارات الطاقة والعدل والداخلية، أكدت مصادر مطلعة أن «رئيس الجمهورية وضع ثلاثة أسماء جديدة لوزارة الطاقة، بعدما اقترح سابقاً المستشار بيتر خوري ورفضه رئيس الحكومة المكلف». أما بالنسبة إلى وزارة العدل «فبعد رفض ميقاتي اسم رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضية جويل فواز التي اقترحها عون، جرى التداول بثلاثة أسماء جديدة؛ من بينها حبيب رزق الله وأنطون إقليموس، طرحها ميقاتي وردّها عون باقتراح اسم مالك صعيبي»، أما بالنسبة إلى الداخلية فالمنافسة لا تزال بين «مروان زين واللواء إبراهيم بصبوص»، ولا اسم محسوماً حتى الآن في الوزارات الثلاث.
عدد من الملفات تشغل ميقاتي بينها مصير حاكم مصرف لبنان وبواخر المحروقات الإيرانية


أحدث المحاولات الحكومية لتسويق الأجواء الإيجابية سرعان ما عادت إلى حجمها الطبيعي بعيداً عن المبالغات، وذلك وفقاً للمعطيات الآتية:
ــــ أولاً لم تكُن الدوائر المعنية في بعبدا قد تبلّغت من جانب الرئيس المكلف أي طلب لعقد موعد اليوم، بعدما راجت معلومات بأن ميقاتي قد يقصد القصر الجمهوري حاملاً تشكيلة جديدة.
ــــ ثانياً، ترفض بعبدا خوض النقاش في غير الوزارات المعروف أن هناك خلافاً على الأسماء فيها، أي الطاقة والعدل والداخلية، وفي حال كانت التشكيلة التي يحملها ميقاتي تتضمن تغييرات إضافية فهي مرفوضة.
ــــ ثالثاً الاتفاق على عدم حصول أي طرف على الثلث المعطل، يبقي عقدة أساسية عالقة بشأن الوزراء الثلاثة المسحيين. فإلى جانب الوزراء الـ 7 من حصة عون، و2 من حصة تيار «المردة» تنتظر 3 أسماء مسيحية أخرى البت بها. صحيح أن هؤلاء الوزراء سيتولون وزارات «لايت»، لكن الحرب على الأسماء ترتبط بالتصويت في ما بعد داخل مجلس الوزراء. فاختيار الأسماء عملية دقيقة ولن يكون التوافق حولها سهلاً لأنها ستحسم الثلث المعطل بشكل مقنّع.
وبناء عليه، فإن النبرة التي تحدثت بها مصادر القوى السياسية المعنية بالتأليف لم تكُن بالتفاؤل نفسه الذي سارعَ البعض الى نشره، كما لو أن الحكومة اليوم. مصادر رئيس الجمهورية التي لفتت إلى أن «الرئيس عون ينتظر التشكيلة الموعودة»، أكدت أن «أبواب بعبدا مفتوحة إن وجدَ الرئيس ميقاتي إليها سبيلاً». وفي وقت تتكتّم فيه مصادر ميقاتي على كل ما له علاقة بشأن التشكيلة أو الأسماء أو الموعد الذي سيزور فيه بعبدا، شددت على أن «لا اعتذار». يبقى هذا الاحتمال الأكثر واقعية، وخاصة أن «الرئيس عون، خلال الاجتماعين الأخيرين، أكد أمام ميقاتي أنه يرفض فكرة الاعتذار»، وهو ما أبلغه ميقاتي بدوره إلى «المفتي عبد اللطيف دريان في لقاء معه، معبراً عن ارتياحه من تجاوب عون وتعاونه» بحسب معلومات «الأخبار».
أين الحكومة إذاً؟ ما الذي يمنع تأليفها حتى الآن؟ إذا كانت مشكلة الرئيس سعد الحريري عدم قدرته على التأليف لأسباب خاصة به كانت تدفعه الى حمل صيغ مرفوضة مسبقاً، فما هي العوائق الموجودة عند ميقاتي؟ إزاء هذا الصعود والهبوط في بورصة تأليف الحكومة، تحدثت معلومات عن مستجدات تقلق ميقاتي وقد تدفعه الى «التأني». فبحسب مصادر بارزة «يستشرف الرئيس المكلف منذ أيام مواقف عدد من القوى، بينها الرئيس عون حول عدد من القضايا، بشأن بواخر المحروقات الآتية من إيران، وضع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، سياسات الدعم والملفات الخاصة به الموجودة في عهدة القاضية غادة عون». وقد تخوفت المصادر من تأنّي ميقاتي في عملية التأليف حالياً، من دون أن يذهب الى الاعتذار فـ«يترك هذه القنابل الموقوتة في وجه حكومة تصريف الأعمال إلى أن يتوافر النصاب السياسي بشأن المسار الذي ستسلكه هذه الملفات»!