الثامنة صباح أمس، وفي توقيت واحد، دخلت وحدات من جهاز أمن الدولة، بأمر من المحامي العام القاضي جان طنوس وبوصفها ضابطة عدلية، الى ستة مصارف هي: بنك البحر المتوسط، بنك عوده، بنك مصر ولبنان، بنك الاعتماد اللبناني، بنك سرادار وبنك الموارد، وانتظرت وصول القاضي طنوس الذي طلب الدخول الى مكاتب قسم المحاسبة في المصارف، وأبلغ الموظفين العاملين فيها قراراً قضائياً بالحصول فوراً على كل البيانات الخاصة بحسابات رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأطلعهم على نصوص من قانون العقوبات تمنحهم حق تنفيذ أمر قضائي من دون تعرّضهم لأيّ ملاحقة، مؤكداً أن القرار يستهدف استكمال تحقيقات قضائية تسقط معها السرية المصرفية عن هذه الحسابات.خطوة طنوس جاءت في سياق تحقيقات كان قد بدأها وتتعلق بالبحث عن أموال يشتبه في أن رجا سلامة اختلسها من عمليات بواسطة شركة «فوري» التي تعاملت مع مصرف لبنان، والتدقيق في مكان وجودها، في سياق تحديد وجهتها من أجل استردادها كونها تعود الى الدولة اللبنانية لأنها وصلت الى حسابات سلامة بطريقة غير مشروعة. لكن خطوة طنوس سرعان ما أُجهضت، عندما قبل النائب العام التمييزي غسان عويدات الخضوع لضغوط مرجعيات سياسية وحزبية ومالية، فطلب من طنوس تأجيل المهمة. عملياً، جاءت الضربة للقضاء من البيت القضائي نفسه، ولو أنها تمّت تحت ضغوط سياسية. قريبون من عويدات برّروا خطوته بأن توقيت الإجراء الذي قام به طنوس «غير مناسب»، إذ كاد يتسبب بإقفال المصارف لأبوابها، ما ينعكس على الواقع المالي في البلاد، كما فسّروا خطوة طنوس بأنها في سياق عملية لها بعدها السياسي أيضاً.
ورغم اتهام عويدات بالخضوع لضغوط مباشرة من رئيسَي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، إلا أن الجميع يعرف أن الحلقة تتجاوزها لتشمل مرجعيات كبيرة، دينية ومصرفية ومالية، إضافة الى الغطاء الأميركي الذي يمنع أي خطوة قضائية من شأنها أن توصل الموسى إلى ذقن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وملاحقته والتحقيق معه وإخضاعه لمحاكمة تسمح للرأي العام وللأجهزة المعنية في الدولة بالاطلاع على كل ما قام به منذ عقدين على الأقل.
ورغم أن الملف الذي كان يبحث عنه طنوس، ومن ضمنه السعي الى الحصول على تفاصيل حول مسار الأموال التي أودعت في حسابات رجا سلامة للمرة الأولى، جاء بضغط من الفرنسيين الذين سبق أن أثاروا الأمر مع رئيس الحكومة وتلقّوا منه وعداً بالمساعدة، كان لافتاً ما قاله عويدات لطنوس أمس، في سياق الضغط لوقف تنفيذ المهمة، من أن «الرئيس ميقاتي اتصل بي وهدّد بأنه في حال استمرار المهمة سيستقيل وستقع البلاد كلها في مشكلة»!
خطوة طنوس جاءت بعد ثلاثة أشهر على مراسلته المصارف المعنية، طالباً تزويده بكشوفات الحسابات الخاصة برجا سلامة وليس بالحاكم نفسه. لكن المصارف امتنعت عن تزويده بكل البيانات، وحاول بنك «ميد» تنحيته عن الملف بحجة خرق السرية المصرفية. ورغم رد القضاء الدعوى، استمرت المصارف في الامتناع عن التجاوب، ما دفع بطنوس الى التوجه مباشرة نحو هذه المصارف للحصول بقوة القانون على المعطيات التي يطلبها. وعلمت «الأخبار» أنه كان ينوي إبقاء موظفين تابعين له أو عناصر من القوى الأمنية في مكاتب أقسام المحاسبة حتى الحصول على كل الداتا المطلوبة.
وبحسب معلومات، فإن عويدات قد يطلب من طنوس إيداعه تفاصيل الملف، على أن يقوم هو بإطلاع كبار المسؤولين على مضمونه لاتخاذ القرار المناسب. ويفسّر مراقبون موقف عويدات بأنه يعتبر أن الأمر يحتاج الى قرار سياسي، ويريد من السلطة السياسية، ممثلة بمجلس الوزراء، المبادرة الى إجراء إداري بحق حاكم مصرف لبنان، علماً بأن الواجب يقضي بمبادرته الى القيام بالخطوة القضائية بمعزل عما تريده الحكومة أو لا تريده. وهذا ما يحمّله مسؤولية عن تعطيل عمل القضاء، ويوجّه، عملياً، ضربات جديدة الى الجسم القضائي الذي يعاني أصلاً من مشكلات كبيرة على خلفية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، علماً بأنه إذا كان القصد تعمّد إحراج الطبقة الحاكمة، إلا أن الأمر، عملياً، يضع القرار بيد السياسيين الذين لا يريدون محاسبة سلامة ولا غيره، ويتوقع أن يمارسوا ضغطاً على قضاة تحقيق معينين لثنيهم عن المضي في هذا الملف، وخصوصاً أن الانتقال من ملاحقة رجا سلامة الى البحث في ملفات الحاكم نفسه، وخصوصاً في مصرف لبنان، ستكشف عن مغارة كبيرة من شأنها «إسقاط الرؤوس الفعلية للدولة العميقة التي تحكم لبنان منذ عقود»، بحسب تعبير جهة معنية بالملف.
المحقّق في ملف سلامة وشقيقه يداهم مصارف والنائب العام يوقف مهمّته تخت ضغط سياسي


وقائع أمس، ترافقت مع معلومات عن بطء في التعاون القضائي بين لبنان وعواصم أوروبية في ملاحقة ملف الحاكم الذي يجري التعامل معه بوصفه مشتبهاً به في اختلاس أموال وتبييضها. ومع أن القضاء البلجيكي وعد بالتعاون، كما لجأت عواصم أوروبية منها باريس ولندن الى خطوات إجرائية احترازية ضد أملاك سلامة وحساباته، إلا أن غموضاً يحيط بإجراءات السلطات السويسرية التي يبدو أنها تسعى ليس الى حماية سلامة نفسه، بل مصارف ومصرفيين في سويسرا حققوا أرباحاً على حساب اللبنانيين طوال عشرين عاماً. والأمر نفسه ينطبق على عواصم أخرى تريد تحييد مصارفها ومصرفييها ورجال الأعمال فيها عن التحقيقات في ملف سلامة ومجموعته، علماً بأن الجهات القضائية اللبنانية تدرس الملف من زاوية احتمال ملاحقة هذه المصارف الأوروبية باعتبارها شريكة في الجريمة التي يشتبه في أن سلامة قام بها.
وينتظر لبنان اجتماعاً قريباً للجهات القضائية المعنية بملف حاكم مصرف لبنان في إحدى العواصم الأوروبية بعد أسبوعين، جرت محاولات لإقصاء لبنان عنه، ليتاح لبعض الدول الأوروبية، وخصوصاً سويسرا، الضغط لحصر النقاش بسلامة نفسه، من دون التطرق الى دور المصارف السويسرية أو الأوروبية أو دور مصرفيين في هذه البلدان في عمليات غش وتبييض عملة واحتيال أدت الى تحقيقهم أرباحاً هائلة على حساب المودعين اللبنانيين والدولة اللبنانية.
ولا يزال القضاء في لبنان في انتظار أجوبة تفصيلية من السلطات القضائية في أكثر من دولة أوروبية، لاستكمال الملف القضائي لسلامة في لبنان والخارج. ويؤكد الفريق المعني بالملف أن ما هو متوافر بيد القضاء اللبناني الآن من شأنه ليس الادعاء على سلامة فقط، بل منعه من دخول مصرف لبنان أو الوصول الى أي حساب مالي يخصّه أو يخص غيره من اللبنانيين. وتؤكد مصادر مصرفية أن ما بحوزة القضاء اللبناني «أكبر بكثير مما يعتقد كثيرون، ويسمح للقضاء بالمبادرة الى خطوات إجرائية كبيرة». إلا أن ما يحول دون ذلك ضغوط هائلة يمارسها تحالف سياسي رسمي وحزبي ومالي وتجاري وأميركي يريد توفير الحصانة الأبدية لرياض سلامة.



طلب لبناني من ألمانيا بتجميد حسابات شركة للأخوين سلامة
أرسل لبنان طلبات قضائية جديدة عبر القنوات الدبلوماسية الى السلطات الألمانية، طالباً تجميد حساب شركة باسم رجا سلامة بعدما تبيّن أنها حوّلت أموالاً من سويسرا الى لبنان، ثم تحويلها من جديد الى ألمانيا لاستثمارها في محافظ أو عقارات في سياق عملية تبييض أموال.
وقد أرسل النائب العام التمييزي غسان عويدات رسالة، عبر وزير العدل هنري خوري، الى وزارة الخارجية لتحيلها بدورها الى السفارة الألمانية. وعلمت «الأخبار» أن الخارجية حوّلت الرسالة الى السفارة الألمانية أمس، وهي تتضمّن طلب عويدات من السلطات الألمانية تجميد حساب شركة «ستوكويل انفستمنتس» لارتباطها بعمليات اختلاس أموال وتبييضها كان يقوم بها الأخوان سلامة، ولتوافر معلومات دقيقة تؤكد تحويل الشركة أموالاً من سويسرا الى لبنان، ثم من لبنان الى ألمانيا. وتشير المعلومات الى أن «ستوكويل» هي واحدة من عدة شركات مملوكة من الأخوين سلامة وابن الحاكم ندي سلامة، ويتركز عملها الأساسي منذ إنشائها عام 2015، على شراء عقارات في ألمانيا. وقد سبق للنيابة العامة التمييزية أن طلبت من كل من سويسرا وألمانيا وفرنسا، في أيار الماضي، تجميد أموال رياض سلامة وشقيقه في إطار التحقيق الذي فتحته، بناءً على طلب من النيابة العامة السويسرية مؤازرة القضاء اللبناني في التحقيق الذي تجريه بشأن الأخوين سلامة. بناءً عليه فُتح التحقيق في لبنان في شباط الماضي، وكلّف عويدات القاضي طنوس متابعة التحقيقات، وقد استجوب الأخير رجا سلامة وختم مكتبه بالشمع الأحمر (راجع «الأخبار» الخميس 29 نيسان 2021). قبل أن يتوجّه أمس الى المصارف المتورّطة مع سلامة لسحب الداتا منها.


استجواب سلامة الخميس بعد منعه من السفر
أصدرت المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون قراراً بمنع سفر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، على خلفية تقدم مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام» بشكوى ضده أمس، مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي بحقه، بجرائم اختلاس المال العام وتبديده على منافع شخصية والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال.
وتقدّم المدّعون بأدلّة توثّق ادّعاءاتهم إلى القاضية عون التي حدّدت الخميس المقبل موعداً لاستجواب سلامة بصفة شاهد. وبحسب مصادر قضائية، ستعمد عون في حال عدم حضور سلامة إلى تكرار استدعائه مرتين، قبل أن تُصدر مذكرة إحضار بحقه. وأوضحت أنّ الادعاء يحصل بعد الاستجواب، معتبرة أن منع السفر احترازي لضمان حضوره التحقيق. وأشارت مصادر مقربّة من القاضية عون أن قرار منع السفر بحق سلامة جاء بالاستناد الى معلومات ومستندات ساهمت في توسعها بالتحقيق واثر استجوابها مدراء في مصرف لبنان وافادة مهمة من مدير عام وزارة المالية السابق الان بيفاني.