لا عدد نهائياً بعد لركاب قارب الموت، وبالتالي لضحاياه، مع تقديرات بأن يتجاوز العدد الـ 100 شخص. رقم لا يعني توقف مراكب الموت، وخصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تفجع فيها طرابلس ولن تكون الأخيرة طالما أن أحلام آلاف الشباب باتت تُرسم على خشبات مركب يظنّون أنّه طوق نجاتهم الوحيد من الحياة التي يعيشونها.يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن يغادر مركب يحمل حالمين بالهجرة من شواطئ العبدة والمنية وطرابلس، في رحلات تنظّمها مافيات تهريب تنشط بكثافة في معظم مناطق الشمال. بين كلّ عشرة مراكب ينجح مركب واحد بالوصول، أما المراكب الباقية فغالباً ما يكون مصيرها واحداً من اثنين: الوقوع بشباك خفر السواحل فيتم إجبارها على العودة، أو أن يبتلعها البحر ويكون مصير ركابها الموت. وتشير الإحصاءات إلى أن عام 2021 شهد توقيف ما يزيد على 25 قارباً، كان على متنها قرابة 750 شخصاً. وهذه نسبة مرتفعة مقارنة بعام 2020، حين ألقى الجيش القبض على 4 قوارب، مجموع الهاربين فيها 126 شخصاً.

توقيف المركب
آخر فصول هذه الدوامة، كان «مركب الموت» الذي صدم طرابلس السبت الماضي 23 نيسان الفائت، وما رافقه من معلومات عن تورّط الجيش اللبناني بعملية إغراق المركب.
مصدر عسكري كشف لـ»الأخبار» تفاصيل انطلاقة المركب فجر السبت من نقطة تقع بين منطقتَي البحصاص والقلمون شمال لبنان، وكان ركابه يخططون للهجرة نحو إيطاليا مباشرة. وبحسب المعلومات: «تم رصد المركب عبر رادارات الجيش اللبناني، وفوراً تحرّكت البحرية البنانية باتجاه المركب بعد تحديد نقطته في البحر». يرفض المصدر الروايات التي جرى تناقلها عن تورّط الجيش في إغراق المركب «هذه روايات غير دقيقة، وهي تهدف إلى خلق بلبلة ضد الجيش اللبناني للتعمية عن المخططين والمنفذين، فالأوامر التي تعطى لعناصر البحرية تقضي بعدم التعرّض لأيّ من المهاجرين، وقد رُصدت حالات كثيرة حاول خلالها الجيش ثني المهاجرين عن إكمال طريقهم، وعندما كانوا يبدون إصرارهم كانت مراكب البحرية ترافقهم إلى حدود الـ 12 ميلاً، وهي الحدود البحرية الدولية المسموح الوصول إليها، ولم يحدث مرة أن أعيد مركب هجرة غير شرعي بقوة السلاح أو العنف».
لم يحدث مرة أن أعيد مركب هجرة غير شرعي بقوة السلاح أو العنف


وبشأن ما حدث داخل البحر هذه المرة، يقول المصدر: «فور اقتراب مركب البحرية اللبنانية من المركب المهاجر، رفض السائق الامتثال للأوامر العسكرية والتوقف أو العودة إلى مرفأ طرابلس، ما خلق بلبلة على المركب». ويوضح أن المركب الغارق «يعود إلى عام 1974، وهو من النوع الصغير إذ يبلغ طوله عشرة أمتار وعرضه 3 أمتار، والحمولة المسموحة له هي 12 شخصاً كحد أقصى ولا وجود لوسائل أمان فيه. لكن العدد الكبير الذي كان على متنه ساهم في زيادة الضغط على مؤخرته، ما سمح للمياه بالدخول إليه نتيجة الحمولة الزائدة، ونتيجة للحركة والفوضى التي حدثت فور وصول مركب البحرية، بالإضافة الى حركة الارتطام بمركب الجيش. كل تلك العوامل ساهمت في غرق المركب ومن عليه».

أعداد الضحايا
وفي هذا الإطار، أكدت معلومات خاصة أن عدد الركاب على متن المركب يفوق المتداول، ويتوقع أن يصل إلى الـ 100 شخص، بينهم ٢٥ طفلاً، وفق ما أكد مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر، لافتاً إلى أنّ كلّ الأرقام التي تنشر حول عدد الركاب غير نهائية ولا يزال من الصعب تحديد عدد المفقودين لأن من كانوا على متن المركب ليس كلهم من يعرفون بعضهم بعضاً أو أسماء بعضهم، وهو ما يطرح فرضيّة وجود مزيد من الأشخاص غرقوا دون إحصائهم. أما العدد الذي يجري تداوله على وسائل الإعلام فيرتكز على بيانات وإفادات تقدّم لدى المراكز العسكرية عن مفقودين، وبالتالي من المرجح أن يرتفع عدد الضحايا أكثر.

من المسؤول؟
أما بالنسبة إلى مسؤولية المهرّبين عن المركب، فتشير المعلومات إلى أن شخصاً من آل الدندشي هو من كان يخطّط لتلك الرحلة وعمد إلى تقاضي مبالغ مالية تراوحت بين 4 آلاف و8 آلاف دولار أميركي. لكن على الرغم من المبالغ الكبيرة التي دفعها المهاجرون، إلا أن أحداً منهم لم يكن يرتدي سترة نجاة لا يتجاوز سعرها العشرة دولارات!
يذكر أنه بعيد حادثة «عبّارة الموت» في أيلول 2020، والتي انطلقت من منطقة المنية شمال لبنان، تمكنت الأجهزة الأمنية من توقيف الرؤوس المدبرة لعملية الهروب، وهم: (بشار الخير، أحمد صوفان، وأحمد علي السبسبي) الذين لا يزالون قيد التوقيف، وكانت قاضية التحقيق الأولى في الشمال القاضية سمرندا نصار قد طلبت بقرارها الظني الإعدام لهؤلاء. لكن على الرغم من الجهود التي تبذلها القوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، لم تعد عملية التوقيف تتخطى فترة الشهر الواحد في معظم الأحيان، لأن الإجراءات والأحكام القضائية غالباً ما تكون متساهلة ومخفّفة بحق هؤلاء المهربين.