في الجلسة الأخيرة للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، منتصف تشرين الأول الجاري، أسرّ مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف أمام الأعضاء بنيّته الدعوة إلى انتخابات لمفتي المناطق قبل نهاية هذه السنة. غير أن كثيرين لم يأخذوا ذلك على محمل الجد، باعتبار أن البيان الرسمي الذي صدر عن الاجتماع لم يتطرق إلى الأمر، فضلاً عن أنها ليست المرة الأولى التي يلمّح فيها دريان إلى ذلك. ففي العام الماضي، اتفق مفتي الجمهوريّة مع الرئيس سعد الحريري على الدعوة الى الانتخابات وتم التوافق على الأسماء الأوفر حظاً . لكن الخلاف بين رئيس تيار المستقبل والرئيس فؤاد السنيورة أعاق السير بالملف بعدما سحبه دريان من التداول وأعاده إلى الأدراج.لكن أعضاء المجلس فوجئوا، الأسبوع الماضي، بدعوة المفتي الهيئات الناخبة في طرابلس وعكّار وحاصبيا ومرجعيون وزحلة وراشيا وبعلبك - الهرمل إلى انتخاب المفتين في 18 كانون الأوّل المقبل، «بحضور ثلثي أعضاء الهيئة، أو تأجيل الانتخابات ساعة واحدة بحضور نصف الأعضاء في حال عدم اكتمال النصاب»، داعياً إلى تقديم طلبات الترشيح للمناصب في المديرية العامّة للأوقاف الإسلامية في بيروت. واستثنى دريان صيدا وصور وجبل لبنان من الدّعوة، لافتاً إلى أنّه سيُحدّد موعداً آخر لهذه المناطق.
ينقل زوار المفتي عنه أنه «يعدّ ما تبقّى من ولايته التي تنتهي بعد عامين بالساعات لأنه ينوي الاستقرار في تركيا». رغم ذلك، يعزو بعض أعضاء المجلس حماسة دريان المستجدّة إلى نيته العمل على انتهاز فرصة غياب الحريري وانكفاء السنيورة إلى حدّ ما للإتيان بمجموعة من المفتين ممن يركن إليهم في حال رغبته في تمديد ولايته، مراهناً في الوقت نفسه على تغييرات جذرية داخل المجلس الشرعي مع انتهاء ولاية الأعضاء الحاليين بعد عام، وهؤلاء بغالبيتهم محسوبون على الحريري والسنيورة.
غير أن مصادر أخرى تذهب أبعد من ذلك، وتعود بالذاكرة إلى ما قبل أشهر سابقة عندما كان المفتي يؤكّد أنّه لن يدعو إلى الانتخابات لأنّه لا يريد فتح ملفّات في آخر عهده تؤدي إلى مزيد من الشرذمة. كما أن ما من شيء يلزمه بهذه الدعوة. فآخر انتخابات للمفتين لا يتذكّرها إلا كبار السن من المشايخ، ولم يتبقّ من المفتين المُنتخبين على قيد الحياة إلا مفتي جبل لبنان الشيخ محمّد علي الجوزو الذي انتُخب في ستينيات القرن الماضي وأُحيل إلى التقاعد منذ أكثر من 22 عاماً. أما بقية المفتين، فهم إما مُعيّنون بالتكليف أو مُمدّد لهم بعد تجاوزهم سن التقاعد!
يدرك المفتي تماماً أن الدعوة ستثير غضب الحريري المُبعد لأنها على الأرجح ستسفر عن إقصاء المقربين منه، كما يعلم أن السنيورة هو مع إرجاء الاستحقاق، وهو ما أكّده «النقاش الحاد» بينه وبين نائب رئيس المجلس الشرعي عمر مسقاوي الذي أكد لدريان الدعوة إلى انتخابات مفتي المناطق لأنها ليست من صلاحياته، بل من صلاحيات المجلس مجتمعاً. وبالتالي، تجزم المصادر أن «قوةً ما» حفّزت دريان على الإقدام على هذه الخطوة غير المتوقّعة، و«على الأرجح أن القرار لم يصدر من دار الفتوى، بل من دار السفير السعودي وليد البخاري». وتلفت إلى أنه بعد إقصاء الحريري، «تريد الرياض التي باتت تدير شؤون الطائفة من اليرزة أن تذهب بعيداً في وراثة تيار المستقبل في معظم المواقع، وملئها بشخصيات قادرة على شدّ العصب السني متى طُلب منها ذلك، وخوض معارك المملكة والذهاب بعيداً في الخصومة السياسية متى أتت الأوامر».

المرشحون الأوفر حظاً؟
بالنسبة إلى أصحاب هذه النظرية، فإن أسماء المرشحين الأوفر حظاً باتت جاهزة أمام دريان والمتابعين، وهم:
- الشيخ مالك جديدة في عكار خصوصاً، وهو مقرّب من حزب القوات اللبنانية الذي سعت نائبته ستريدا جعجع إلى التوسّط له لتعيينه رئيساً لدائرة الأوقاف.
- علي الغزاوي في البقاع الأوسط - زحلة بعد تراجع أسهم القاضي الشرعي طالب جمعة، زوج ابنة مفتي البقاع السابق الشيخ خليل الميس الذي وعده الحريري بتعيين صهره خلفاً له، ومع استبعاد آخرين لا يستسيغهم دريان كعبد الرحمن شرقيّة ويونس عبد الرزاق.
- الشيخ خالد صلح في بعلبك - الهرمل، علماً أنّ الشيخ بكر الرفاعي يمتلك حيثيّة لا بأس بها ضمن الهيئة الناخبة للمنطقة إلا أنه غير مرضيّ عنه سعودياً. رغم ذلك، تثار شائعات عن أن صلح ليس مرشحاً نهائياً للسعودية بعدما قال على مسمع البخاري إنه يفضّل عودة الحريري.
- في طرابلس تبدو الأمور أكثر تعقيداً. الخيار السعودي يبدو ميّالاً إلى الشيخ بلال بارودي الذي ينافسه القائم بأعمال المفتي حالياً الشيخ محمّد إمام والشيخ سمير كمال الدين (يؤيده دريان) والشيخ مظهر حموي. فيما يبدو أن هيئة علماء المسلمين قد تتراجع عن تسمية أحد المقربين منها الشيخ أمين رعد.
تريد الرياض أن تذهب بعيداً في وراثة تيار المستقبل بشخصيات قادرة على شدّ العصب السنّي وخوض معاركها متى أتت الأوامر


- في شبعا، من المرجّح استمرار المفتي الشيخ حسن دلّة في منصبه لعدم وجود من ينافسه في الهيئة الناخبة التي يمتلك فيها الحيثيّة الأكبر بسبب قربه من كل القوى السياسية.
أصحاب نظرية الضغط السعودي يستدلّون على صحة نظريتهم باستثناء صور (رغم عدم وجود مفتٍ أصيل) وصيدا وجبل لبنان من الدعوة للأسباب الآتية:
- في صور، معظم المرشحين الذين قد يصلون محسوبون على الجماعة الإسلامية (كناجي سويد وأحمد عبيد، إضافة إلى أحد قياديي الجماعة في المنطقة).
في جبل لبنان، يتذرّع دريان بأنّ قانون الـ 1970 (الذي نص على تقاعد المفتين وليس على إبقائهم في مناصبهم إلى حين وفاتهم) لا ينطبق على الجوزو بسبب تعيينه قبل صدور القانون. فيما يؤكد متابعون أنّ القائم بأعمال السفارة المصريّة السابق شريف البحراوي قطع وعداً للجوزو، عند الاتفاق على تعيين دريان، أمام السفيرين السعودي والمصري في حينه، بأن يبقى مفتياً لمدى الحياة، ومن ثم تعيين نجله القاضي محمّد هاني الجوزو لخلافته، علماً أنّ الأخير يُسيّر أعمال دار إفتاء جبل لبنان حالياً بدلاً من والده.
- تثير منطقة صيدا إشكالية كبيرة أمام السعوديّة، وخصوصاً أنّه لا يمكن توقع النتيجة سلفاً في ظلّ وجود محسوبين على النائبة السابقة بهية الحريري ضمن المرشحين والهيئة الناخبة. كما أن المملكة لا تفضّل فتح جبهة جديدة بين الحريري والسنيورة ولا تريد في الوقت نفسه إعطاء الأخير «جائزة ترضية» في تسمية مفتٍ محسوب عليه. أضف إلى ذلك أنها غير قادرة على التفاهم مع النائبين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري على اسم مقبول بالنسبة إليهما.