يبدي مرجع سياسي طرابلسي تشاؤمه من إمكان وقف التدهور الأمني في عاصمة الشمال. في رأيه «طرابلس على اعتاب الجولة 19». يتناغم هذا الرأي مع مقولة تؤكد ان الجولة 18 لم تنته أصلا، وما توقف هو فقط غزارة اطلاق النار. أما مناخ هذه الجولة المتصل بما سبقها من جولات عنف، فلا يزال مخيما على المدينة، وليست فترات الهدوء سوى استراحات قتال تكتيكية لأسباب أمنية وسياسية. ويلفت أصحاب هذا الرأي إلى جملة دلائل تعزز قناعتهم، أهمها اثنان: الأول، كثافة التواجد السعودي السياسي والمالي والتسليحي في الجولة 18. والثاني، انها الاكثر صلة ــــ قياسا بكل سابقاتها ــــ بالوضع السوري وتطوراته. ويخلص هذا التقدير إلى أن تعاظم الرهان حاليا لدى الرياض على تحقيق انجاز ميداني ما داخل سوريا، يواكبه استمرار قرارها بابقاء الوضع الطرابلسي ساخنا ضمن اجواء الجولة 18.
وتكشف المصادر ان الدفعات الاخيرة من العناصر الجهادية التي ارسلها شيوخ سلفيون طرابلسيون الى سوريا، يعود من بقي منهم حياً، الى عاصمة الشمال، بتأثر واضح بـ«داعش» و«جبهة النصرة» لجهة عدم تقبل«المسلح الآخر غير السلفي». واكثر جهة يقع عليها هذا الأمر هي مجموعات المحاور التي يقودها «مستقبليون» والمدير العام السابق اللواء أشرف ريفي وضباط متقاعدون وزعماء رسميون.


معطيات حديثة

وتتوقف المصادر عينها عند ما تسميه مستجدات مستقاة من داخل طرابلس، حصلت خلال الساعات الاخيرة. وتكشف عن تدني معنويات مجموعات المحاور. ومرد ذلك تأكد هؤلاء أن الجيش مصرّ بشكل حاسم، هذه المرة، على اعتقال عناصر صدرت في حقهم مذكرات توقيف. وترصد هذه المعلومات إخفاء بعض المجموعات اسلحتها وتغيير قادتها سلوكهم.
وبالتزامن مع ذلك، تكشف المعلومات عن مستجد آخر، تمثل بترك العديد من «العناصر السعودية» عاصمة الشمال والانكفاء إلى مناطق شمالية ريفية، وإلى بيروت في احياء تحتوي على بيئة حاضنة لهم. وليس معلوما حتى الآن السبب الحقيقي وراء هجرة «الجهاديين السعوديين» الى العاصمة؛ ولماذا صدرت الأوامر لهم في هذا الوقت لترك طرابلس.

ريفي مقابل عيد

وفي موازاة ذلك، كشفت مصادر متابعة لقضية تسطير مذكرة توقيف في حق المسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد على خلفية اتهامه بالتحريض على فرع المعلومات، ان هذه القضية كانت محور نقاش في الأيام الأخيرة في محافل سياسية مهتمة بهذا الموضوع، ولم تكن قيادة الجيش بعيدة من أجوائه. وابرز هذا النقاش ــــ بداية ــــ وجهة نظر رأت ان تأجيل إصدار مذكرة التوقيف بحق عيد يحرر الجيش في طرابلس من عبء تحويل مهمته في فرض الأمن في المدينة والتي تحظى بتأييد جميع اللبنانيين، الى عملية تجعله يصطدم بتعقيدات الانقسامات المذهبية الفائقة الحساسية.
وساق اصحاب هذا الرأي واقعة واجهها رئيس الجمهورية ميشال سليمان نفسه عندما كان قائدا للجيش، وذلك اثر اغتيال النائب بيار الجميل. آنذاك دعاه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى خلوة معه تضمه مع رؤساء الأجهزة الامنية، تسبق جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لمناقشة حادثة الاغتيال. في تلك الخلوة قال السنيورة لقائد الجيش: «معلوماتنا الموثوقة تؤكد ان الجناة فروا الى مخيم نهر البارد. ومجلس الوزراء الذي سينعقد بعد قليل سيتخذ قرارا بدخول الجيش الى نهر البارد، وعليك ان تكون مستعدا لتنفيذه». لكن سليمان اعترض على القرار ونصح بعدم اتخاذه لأن الجيش لن يوافق عليه، وبذلك سيبدو ان هناك انقساما بين المستويين العسكري والسياسي في الدولة. والتبرير الذي قدمه سليمان حينها انه ليس من الحكمة زج الجيش في هذه اللحظة المعقدة بمعركة حسم مع ازمة عمرها منذ العام 1948، خصوصاً أنها قد تثير انعكاسات حساسة داخلية واقليمية، وكلها غير محسوبة.
ورأى اصحاب هذا الرأي ان الجهة السياسية المحرضة الآن على وضع قيادة الجيش في مواجهة ازمة توقيف عيد المتسمة بحساسية مذهبية، انما تريد الوصول إلى أهداف ابعد أثرا من مجرد فرض هيبة الدولة في طرابلس، واقل ما يقال فيها ان مقصدها غير بريء لجهة ما تضمره من خلفيات سياسية، ولا سيما ان السلوك الرسمي مع تكليف الجيش بقمع الجولة 18 في طرابلس اتسم بملاحظات عليه، ان لجهة رفض فرع المعلومات الالتحاق بالمهمة او تصدع الغطاء السياسي المطلوب له. وفي رأي أصحاب هذه النظرة انه يحق لقائد الجيش العماد جان قهوجي ان تساوره الهواجس من دفعه لاعتقال عيد في هذه اللحظة السياسية والأمنية.
وكشفت المصادر موقفا برز خلال البحث في قضية عيد في الكواليس السياسية، مفاده المطالبة بالتعامل بالمثل مع طرفي ازمة طرابلس؛ بمعنى انه اذا كان مطلوبا توقيف رفعت عيد بتهمة «التحريض»، فانه يجب بالمقابل، توقيف ريفي والنائب محمد كبارة والشيخ سالم الرافعي بالتهمة نفسها. ولن يعوز القضاء في هذا المجال العثور على الكثير من التصريحات التحريضية العلنية العائدة لهؤلاء. اما اذا كان المطلوب إيقاف «قادة المحاور» فانه يمكن التعامل بمكيال واحد مع قادة محاور باب التبانة وغيرها وقادة محاور جبل محسن.