يعدّ أول شهور الخريف ضيفاً ثقيل الظلّ على العائلات السورية بانتظار الموسم الشتوي الجديد. وفيما ينشغل الشارع بالبحث عن وسائل ناجعة لتحصيل «مؤونة» الفصل البارد، وتسديد «قروض القرطاسية»، تتربع على عرش «التريند» السوري أصداء «حملة مكافحة الفساد»، بتشوّق كبير لمعرفة أحداث الحلقة التالية. في أحدث الحلقات، أنباء عن حجز احتياطي على أموال وزير سابق وزوجته، مع تسريب أسماء عدد من المتورطين بعقود «فساد» بحسب وثائق تداولها روّاد المواقع منسوبة إلى وزارة الداخلية. هكذا تتسرب الأنباء والأسماء، خجولةً، مقتضبة، غير واضحة، لا مؤكدة ولا منفية. وكما في القصص والحكايات الخيالية، ينهمك الجمهور بالتفسيرات والتأويلات، وتوجيه التهم، وتناقل الأرقام التي تبدو بمعظمها «فلكية». لم يكن الحديث (غير المؤكد بعد) عن «ملف فساد التربية» أكثر ما أثار دهشة السوريين، بقدر ما كانت الحقيبة التي يشغلها الوزير «المتّهم» هي الصدمة. البعض قال على سبيل الدعابة المرّة: «إذا كانت وزارة التربية هكذا فكيف تكون الوزارات القليلة التربية؟!». والبعض الآخر تساءل «كيف استطاع صاحب السعادة، وفريقه، الاحتفاظ بكرسي الوزارة في حكومات متعاقبة من دون أي ثغرة، ليتأخر جرس إنذار جهاز الرقابة والتفتيش سنوات وسنوات؟!». ثم، كيف كانت تتم مناقشة الموازنات وتحديد الأولويات وتقييم الأداء السنوي لكل وزارة، حتى نصحو اليوم على خبر كهذا؟ماذا عن الشارع؟ بالطبع لم يمرّ خبر «الحجز الاحتياطي» على يومياته مرور الكرام، غير أن تكلفة المكدوس، المرتفعة جداً على سبيل المثال، كانت أشد وطأة، وأهم في قائمة أولوياتهم من تفاصيل قضية معاليه، إلا إذا كانوا سيظفرون بشيء من الخيرات وراحة البال، بعد أن أتعبهم إحصاء «الثروات التي ستعود إلى خزينة الدولة» كما يأمل «متفائلون».
ربما كان آخر اهتمامات السوريين اليوم، جدول أعمال «اللجنة الدستورية» التي أُعلن تشكيلها أخيراً، مع أنها قد تفضي إلى صياغة دستور جديد للبلاد، وسط كل الهموم والأعباء. لكنّ المؤكد أن تلميحات لانفراج سياسي، ترافقه «حملة تطهير» داخلية جديّة من الفساد ورؤوسه، ستكون أقصى ما يحلم به السوريون. لأن ذلك ــ إذا ما حصل ــ سيعني بالضرورة بدء «العد العكسي» لمرحلة السنوات العجاف، ويشكل واحدة من نوادر الدهر العجيبة، في هذه البقعة الجغرافية المصنّفة كأكثر المناطق فساداً في العالم (بحسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية السنوي لعام 2018، سجلت اليمن وسوريا والعراق أشد انخفاض في المؤشر).
قد تكون الأسابيع القليلة القادمة حافلة بـ«حجزوا على أموال فلان»، و«ما حدا على راسو خيمة». حتى إن بعض الأسماء «ستكون مفاجِئة للشعب»، بحسب وعود رئيس الحكومة. لذا، نأمل من الإخوة المواطنين توخي الحيطة والحذر عند قراءة الأخبار اليومية، واتخاذ تدابير السلامة والحماية اللازمة لتفادي الصدمات، وخاصة العاطفية منها، إذ نخشى أن تكون بعض تلك الشخصيات من المحبّبة إلى قلوبهم، والتي طالما اعتبروها «رموزاً للصمود والوفاء والتضحية»!