تشهد محافظة درعا، وتحديداً الجزء الشمالي منها، تحركات عسكرية لافتة، بدأت بالتعزيزات التي استقدمها الجيش السوري إلى المنطقة، وبالجولات التي يقوم بها ضباطه على طول خطوط التماس مع المسلحين. المنطقة التي تشهد توتراً استثنائياً منذ الأشهر القليلة السابقة من ناحية العدو الإسرائيلي، عادت لتوضع اليوم على طاولة الحسم العسكري السوري. لكن ما يُسجّل اليوم، من تحركات على مستوى دولي، لمنع العملية العسكرية، يشي بأن قرار بدء الهجوم لن يكون سهلاً ومتحرراً من الحسابات السياسية الدولية. عقدة الربط والحل هذه المرة، هي الجنوب السوري، وتحديداً محافظة درعا. حماية أمن إسرائيل أولوية، بالنسبة إلى تل أبيب وواشنطن، وأولى خطوات المنع النهائي والحتمي لأي وجود لإيرانيين أو مقاتلي حزب الله في المنطقة الجنوبية. منع التصادم مع إسرائيل أيضاً أولوية، بالنسبة إلى موسكو. كذلك الأمر، يرى الأردن أن أي تحرّك في الجنوب السوري، على غير «هواه»، قد يُشكّل خطراً على الأمن القومي الأردني. أما دمشق، فترى أن الجيش السوري له الحق الكامل باستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية كافة، ومن ضمنها الجنوب السوري. حلفاء سوريا، حزب الله وإيران تحديداً، هم إلى جانب الجيش السوري في كل معاركه، بل إن الجنوب السوري يشكّل لهم اهتماماً خاصاً، للوجود الإسرائيلي «المفعَّل» على حدوده، وما يعنيه ذلك الوجود في استراتيجيات المقاومة ومخططاتها.

الموقف الإسرائيلي
من تل أبيب، رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سقف تصريحاته، مؤكّداً «سعي إسرائيل إلى منع الوجود العسكري الإيراني على كافة الأراضي السورية»، وليس فقط في الجنوب، كما كان يطالب الإسرائيليون سابقاً. وفي حديث لكتلته في البرلمان الإسرائيلي، قال نتنياهو: «موقفنا بشأن سوريا واضح... نعتقد أنْ لا مجال لأي وجود عسكري إيراني في أي مكان في سوريا». وفي السياق عينه، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية اليوم الاثنين، إن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان سيلتقي بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في موسكو يوم الخميس. وأضافت الوزارة أن «شويغو كان قد وجه الدعوة إلى نظيره الإسرائيلي»، لكن لم تُذكر أي تفاصيل عن طبيعة المناقشات. هذا الموقف، تدعمه الولايات المتحدة الأميركية كاملاً.

الموقف الأردني
قال الأردن اليوم إنه يناقش التطورات في جنوب سوريا مع واشنطن وموسكو، وإن الأطراف الثلاثة اتفقت على ضرورة الحفاظ على منطقة «خفض التصعيد» التي أقيمت العام الماضي بعد «جهود ووساطة منه وساعدت في الحد من العنف». وقال مسؤول كبير لوكالة «رويترز» طلب عدم نشر اسمه إن «الدول الثلاث التي وقّعت اتفاق العام الماضي لإقامة المنطقة اتفقت على ضرورة الحفاظ عليها في خطوة مهمة لتسريع وتيرة المساعي للتوصل إلى حل سياسي في سوريا».

الموقف الروسي
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم إن «قوات الحكومة السورية فقط هي التي يجب أن توجد على الحدود الجنوبية للبلاد والقريبة من الأردن وإسرائيل». وقال لافروف في مؤتمر صحافي مشترك في موسكو جمعه بوزير خارجية موزامبيق جوزيه كوندونجوا باتشيكو: «من المؤكد أنه يجب تنفيذ انسحاب جميع القوات غير السورية بشكل متبادل، يجب أن يكون هذا الأمر بمثابة طريق ذي اتجاهين». وأضاف لافروف: «ينبغي أن تكون نتيجة هذا العمل الذي يستلزم استمراره، وهو مستمر بالفعل، أن ينتهي بوقوف ممثلين عن جيش الجمهورية العربية السورية على الجانب السوري من الحدود مع (إسرائيل)». وصرّح لافروف عند سؤاله عن معلومات عن إعداد الولايات المتحدة خطة للانسحاب من التنف، قائلاً: «أما ما يتعلق بالمعلومات، التي لم أسمع عنها، بشأن إعداد الولايات المتحدة خطة لسحب القوات الأميركية من التنف، وكما قلت سابقاً، فإن هذه المنطقة أنشئت بشكل مصطنع لأسباب غير معروفة من وجهة النظر العسكرية، لذلك فإننا نلفت انتباه الزملاء الأميركيين على هذه النقطة خلال اتصالات الجهات العسكرية». وأضاف أنّ «جماعات إرهابية، مرتبطة بداعش نشطت في منطقة التنف السورية، الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة، مشيراً إلى وجود الكثير من الأدلة على حدوث أمور غريبة في التنف، فمن الناحية العسكرية، لا تملك هذه المنطقة أهمية تذكر لتنظيم عمليات مكافحة الإرهاب..». هنا تجدر الإشارة، إلى أن الكلام عن انسحابات لكافة القوات غير السورية، بحسب مصادر مطلعة تحدّثت لـ«الأخبار»، فإنه «يشمل بطبيعة الحال، القوات الأميركية الموجودة في التنف». وبهذا تكون روسيا قد قدمت عرضاً واحداً كاملاً، يكون بانسحاب القوات الإيرانية وحزب الله من المنطقة الجنوبية، مقابل انسحاب القوات الأميركية من التنف، وبالتالي أيضاً دخول الجيش السوري. إلا أنه لم يصدر عن دمشق حتى الآن، ما يدعم التصريحات الروسية، بشأن انسحاب قوات إيرانية أو من حزب الله، من الجنوب السوري.

في ظل «صخب» التصريحات الإقليمية والدولية، تلتزم دمشق الصمت، في الوقت الذي أكّدت فيه على مدى أيام سابقة، أن وجود الإيرانيين وحزب الله في سوريا، هو وجود شرعي بإذن الدولة السورية في إطار عمليات مكافحة الإرهاب، وهي تعمل «بتنسيق تام مع الدولة السورية في الحرب على الإرهاب»، كما أكّد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد منذ أيام. المؤشرات الحالية تشير إلى تصعيد بهدف الوصول إلى تسوية جديدة، يكون فيها موقف الجيش السوري أقوى في الجنوب، وهذا ما تحاول إسرائيل والولايات المتحدة منعه، عبر رفع سقف التهديدات والعمل على عرقلة أي عمل قد يقوم به الجيش جنوباً.