طهران | في خطوة أثارت استغراب الجميع، فرضت الإدارة الأميركية، في الآونة الأخيرة، عقوبات على وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف. إجراءٌ استهجنته الأمم المتحدة، فضلاً عن البلدان الأوروبية والآسيوية، وكذلك روسيا والصين، واعتبرته مناقضاً للأعراف الدولية. وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، فإن عقوبات فُرضت على وزير الخارجية الإيراني لأنه يتصرف بالنيابة عن المرشد علي خامنئي أو من جانبه. هذه العقوبات، غير المألوفة والمخالفة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية، اعتبر معظم المحللين والمراقبين أنها تمثل آخر ما لدى الأميركيين من حيلة، ومؤشراً على أنهم أصبحوا خالي الوفاض في ممارسة السياسات العدائية ضد إيران.خلال الساعات الـ48 الأولى من إعلان فرض العقوبات على ظريف، أبدى جميع أعضاء «4+1»، بمن فيهم الدول الأوروبية الثلاث، معارضتهم لهذا القرار، وأكدوا أنهم سيواصلون العمل مع ظريف. وهذا هو الموضوع الثاني غير المتعلق بالاتفاق النووي خلال الأيام العشرة الماضية، الذي يقول فيه الأوروبيون «لا» لمجاراة الولايات المتحدة. بعد رفض الطلب الأميركي بتشكيل تحالف عسكري في مضيق هرمز لتأمين الملاحة البحرية. وفي ضوء ظروف كهذه، يمكن القول إن واشنطن التي أخفقت بداية في تحقيق إجماع ضد الاتفاق النووي، ولم تستطع بعده كسب ودّ أوروبا في ملفات مثل اعتبار البرنامج النووي الإيراني (خلال الاجتماع الأخير لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية) تهديداً، بقيت في مسألة العقوبات على ظريف وحيدة ومنعزلة.
يبدو أن سبب الإجراء الأميركي هذا يكمن في خسارتها لمزاياها الاستراتيجية في صراعها الحالي مع إيران وفي المنطقة. هدف واشنطن من فرض العقوبات على ظريف يتمثل في الحدّ من مشاركته الفاعلة في ساحة معارك الدبلوماسية العامة والإعلامية، وتصفير تأثيره على الرأي العام الأميركي والعالمي، وممارسة المزيد من الضغوط على إيران. الأدبيات الناقدة التي استخدمها ظريف، لا سيما خلال الأشهر الأخيرة، إزاء مفردات مثل العقوبات و«فريق ب»، والإرهاب الاقتصادي والحرب، وغطرسة نظام الهيمنة، ونهاية عصر الهيمنة الغربية، وغيرها، لم تعجب الأميركيين المتطرفين الحاليين الذين يجهلون تاريخ المنطقة والعالم. وقفة تأمل بسيطة في بيان وزارة الخزانة في شأن سبب العقوبات على الوزير الإيراني، تظهر أن استراتيجية الجمهورية الإسلامية خلال الأشهر الأخيرة، أي «المقاومة الفعّالة»، قد أثمرت وأربكت المنظومة الفكرية وآلية صنع القرار والمنظومة العملياتية للبيت الأبيض.
احتمال الانفراج اقترب من الصفر مع فرض عقوبات على ظريف


إدارة ترامب تريد تقييد ظريف وتهميشه من أجل دفع النظام الإيراني إلى تقديم شخص آخر للتعامل مع الغرب، وكذلك ــــ في غياب صوته ــــ إعادة بناء مناخ تستطيع عبره جعل الأذهان تتعاطف وتتماشى مع توجهاتها وسياساتها. لكن ردّ فعل الشخصيات والأطياف واللاعبين المختلفين في الساحة الإيرانية (بدءاً من الشخصيات البارزة وصولاً إلى التيارات السياسية والحرس الثوري والجيش وناقدي الحكومة والموالين لها) إزاء العقوبات على ظريف، أظهرت أن إيران لا تنوي تسليم صواريخها ولا التخلّي عن دبلوماسييها المؤثرين!
أظهر البيت الأبيض، من خلال هذه الخطوة، أنه ليس جاداً في الدخول في مفاوضات مع إيران، على رغم الشعارات التي يطلقها في هذا المجال. وعندما يتم وضع عقوبات على الشخص الأول لدبلوماسية بلد ما، فهذا يعني أن مسار الدبلوماسية قد أغلق، وهذا يتناقض بطبيعة الحال مع المزاعم الداعية إلى إجراء محادثات. ويبدو أن نزلاء البيت الأبيض اعتمدوا سياسة مزدوجة؛ إحداها تتمثل في ممارسة الضغوط القصوى من خلال أداة العقوبات، والأخرى إبداء التشوق للدخول في مفاوضات بلا شروط مسبقة. وطبعاً، لا يمكن من الآن فصاعداً الحديث عن المفاوضات بلا شروط مسبقة، لأن ما اتخذته واشنطن من إجراءات لحدّ الآن، بدءاً من تكثيف العقوبات الأولية وصولاً إلى إعادة العقوبات الثانوية، ومن عقوبات على المرشد إلى عقوبات على وزير الخارجية، استحدثت كلها تلقائياً شروطاً مسبقة لبدء أي محادثات.
أحد التساؤلات التي أثارها خلال الأيام القليلة الماضية الكثير من الخبراء، حتى الأميركيون منهم، هو مع مَن يريد دونالد ترامب إجراء محادثات عندما يكون قد فرض عقوبات على وزير الخارجية والمفاوض الإيراني نفسه؟ يرى بعض المراقبين أن التغريدة التي نشرها ترامب الأسبوع الفائت، عن أن الإيرانيين لم يكسبوا أي حرب لكنهم لم يخسروا أي مفاوضات، مؤشر على أن مواقفه باتت أكثر حدّة تجاه طهران. إن الإغلاق الكامل لأبواب الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة هو التحليل الذي عبّر عنه كثير من الخبراء والمتخصصين.
وعلى الرغم من أنه لا أحد كان يرى أن ثمة فرصة سانحة لجلوس وزيرَي خارجية إيران والولايات المتحدة، أحدهما مقابل الآخر، حتى قبل فرض العقوبات على ظريف، وفي ظلّ سياسة الضغوط القصوى ومعارضة إيران للمحادثات مع استمرار الغطرسة الأميركية، فإنه نظراً إلى المعارضة الظاهرية لترامب للقيام بعمل عسكري في الشرق الأوسط، والجهود التي تبذلها أطراف أخرى، كان لا يزال ثمة احتمال ضئيل لنوع من الانفراج. لكن هذا الاحتمال اقترب من الصفر مع فرض عقوبات على ظريف.