الخرطوم | يمر حزب المؤتمر الوطني، الحاكم في السودان، بالكثير من الصراعات داخل التنظيم، ويبدو أنه منذ إعلان الرئيس عمر حسن البشير نيته عدم الترشح منذ أكثر من شهر، زادت وتيرة الصراع المكتوم بين أقطاب الحزب للمنافسة على الكرسي الشاغر. صراع طفا على السطح أخيراً في أعقاب قرار إقالة القيادي غازي صلاح الدين العتباني، من رئاسة كتلة الحزب في البرلمان، ما أوحى بأن حرب تحديد خليفة البشير أصبحت علنية بين تيارات الحزب، وأن حرب المصالح بدأت تشتعل، ولا سيما مع اقتراب انعقاد المؤتمر العام للحزب، الذي سيكشف فيه عن اسم مرشحه لخوض انتخابات الرئاسة.
وبدا لافتاً أن أياً من قادة الحزب وأعضائه المعروفين بعلوّ صوتهم، لم يعلقوا على الطريقة التي أُقيل بها العتباني قبل انتهاء دورة البرلمان الحالية، وتعيين خلفه مهدي إبراهيم، بالرغم من أن الجميع داخل الحزب وخارجه يعلمون أن دستور الحزب يقر بترشيح وانتخاب أحد أعضائه لشغل منصب رئاسة الكتلة البرلمانية، وليس بالتعيين.
السرعة التي جرت بها إقالة رئيس كتلة «المؤتمر» في البرلمان وتعيين من يخلفة تعزز الرأي القائل بأن تيار «الصقور» داخل المؤتمر الوطني لم يعد يحتمل أي حديث عن الإصلاح أو التغيير، وهو ما يؤكده قيادي إسلامي مقرب من الحزب الحاكم بأن المتربصين بصلاح الدين العتباني تحينوا الفرصة المواتية لإبعاده من حلبة المنافسة وأن الحكومة ضاقت ذرعاً به. ويواصل قائلاً لـ«الأخبار» إنه «يتضح جيداً أن الوعي السياسي لدى الممسكين بمفاصل حزب المؤتمر الوطني منخفضة، بدليل عدم تقبلهم لنقد العتباني في مسألة عدم دستورية ترشح الرئيس البشير».
ويُجمع عدد من الخبراء والمحللين السياسيين على أن رئيس كتلة الحزب الحاكم ظل طوال مسيرته السياسية داخل الحزب صاحب صوت جهور في انتقاد ما يراه خطأً في التنظيم، غير مبالٍ بالنتائج، بل عُرف عنه تجاوز مؤسسات الحزب في التعبير عن آرائه الناقدة، وبلورة آرائه في مقالات صحافية منشورة في الصحف السيارة.
وقد زاد العتباني أخيراً كوة جديدة عندما فتح صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» للحوار مع الجميع من دون قيود أو رقابة، وهو الأمر الذي يعجز حزبه عن القيام به أو حتى قبوله من أحد أعضائه.
ويذكر أن العتباني كان واحداً من أهم رجال الإنقاذ الذين عملوا على إرساء قواعد الجبهة في الحكم، وذلك عندما وضع مع آخرين مذكرة الشعرة التي أفضت إلى انشقاق إسلاميي السودان، ثم مفارقته بعد ذلك لشيخه عرّاب حكومة الإنقاذ حسن الترابي، واختياره الانضمام إلى حزب المؤتمر الوطني بقيادة البشير.
غير أن الكثيرين يرون أن القشة التي قصمت ظهر العتباني، ورمت به بعيداً عن مؤسسات الحزب، هو تصريحه الأخير حول عدم دستورية ترشيح الرئيس البشير لدورة جديدة، أي إن البشير وفقاً للدستور لا يحق له الترشح في الانتخابات المقبلة، وليس لعدم رغبتة في الترشح. نقطة وجد فيها التيار الأقوى داخل الحزب بقيادة مساعد الرئيس نافع علي نافع، ضالته في الإيعاز بإقصاء أحد أبرز منافسيه.
ويذهب متابعون إلى أن نافع يسير بخطى حثيثة نحو تحقيق هدفه بقيادة سودان ما بعد البشير، بل يسود اعتقاد واسع وسط قطاع عريض من المتابعين للشأن السياسي الداخلي بأن إطاحة مدير جهاز الأمن والاستخبارات السابق صلاح قوش، كانت من صنيع نافع.
ومعروف عن قوش سطوته وإمساكه بالعديد من الملفات، وتجمعه كذلك علاقة استراتيجية مع الإدارة الأميركية التي أشارت في وقت سابق إلى عدم نجاح أي محاولة لإطاحة نظام البشير، إلا في حالة واحدة هي أن يكون الانقلاب بقيادة قوش.
ونافع الذي يمسك بيده بمعظم خيوط اللعبة السياسية في البلاد، ويدير عدداً من الملفات المهمة، لا يقف نظره عند أولئك الذين أبعدهم عن طريق طموحه، بل يسعى بكل جهده إلى قطع الطريق على النائب الأول علي عثمان محمد طه، الذي ترتفع أسهمه لخلافة البشير.