الكثير من المستثمرين ما زالوا حذرين من ابن سلمان منذ «حملة الريتز»
لكن على رغم كلّ تلك العوائق، يبدو السعوديّون متيقّنين من أنهم سينتزعون دور الإمارات، فيما الواقع يقول إنهم قد لن يصلوا إلى أكثر من جعْل الرحلة بين الرياض ودبي معكوسة. فرجال الأعمال الذين يعملون في السعودية انطلاقاً من مقارّ شركاتهم الإقليمية في دبي، يقومون برحلات لأيام معدودة إلى المملكة لإنجاز أعمالهم، ثمّ يعودون، وإذا ما أجبرهم ابن سلمان على الإقامة في السعودية، يبقى لديهم خيار الانتقال إلى دبي لتمضية إجازاتهم الأسبوعية، ثمّ العودة للعمل في المملكة. وعلى رغم أن بعض الشركات التي تعتمد على السوق السعودية في عائداتها عمدت، بالفعل، إلى نقل مقارّها الإقليمية إلى الرياض، إلّا أن ذلك لا يعني أن خطوتها ستفتح الباب على هجرة جماعية من دبي؛ إذ إن الشركات المذكورة قد تُبقي، توازياً، مقارّها في دبي، وفي مواقع عربية أخرى. وما يعزّز هذه الاحتمالات هو أن الإماراتيّين قرّروا المواجهة على ما يبدو، وما تحويلهم العطلة الأسبوعية إلى السبت والأحد إلّا خطوة في هذا السياق، فيما يُسجّل أيضاً إعلانهم تقليصاً إضافياً في قيود التأشيرات الممنوحة للمستثمرين والمقيمين (وإلغاؤهم الرقابة على الأفلام الأجنبية)، في ما يؤمل أن تكون نتيجته انتقال شركات متعدّدة الجنسيات من شرق آسيا إلى الإمارات، بسبب «اللوائح الأكثر صرامة في أماكن أخرى» -في إشارة إلى السعودية -، وفق ما أعلنه وزير الدولة الإماراتي لريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسّطة، أحمد بالهول الفلاسي.
يعمل ابن سلمان، لتحقيق هدفه، على ثلاثة مسارات: الأوّل تخفيف القيود الاجتماعية في المملكة ممّا يجعلها مكاناً أكثر جاذبية، وهذه هي المهمّة الأصعب؛ والثاني تقديم حوافز قانونية وتجارية مِن مِثل إلغاء تأشيرة الخروج، وتسهيل الحصول على إجازات عمل للراغبين وزوجاتهم، وتخفيف نظام الكفالة، وتقديم حوافز ضريبية كمنْح الشركات المنتقّلة وضع «الأوفشور»؛ والثالث هو معاقبة الشركات التي لا تنقل مقارّها إلى الرياض، بحرمانها، اعتباراً من عام 2024، من نيل عقود من الحكومة السعودية والمؤسّسات التي تدعمها، وهي عقود بمليارات الدولارات. تتذرّع الرياض، في مسعاها الأخير، بالحاجة إلى تدريب الكوادر السعودية، لكن ذلك يتناقض مع كون معظم الشركات التي طُلب منها الانتقال، تقيم مقارّها الإقليمية في دبي. إذ تلقّت نحو 44 شركة، معظمها لتكنولوجيا الطاقة أو متخصّصة بحلول النقل مثل المترو والقطارات، أو للمواد الاستهلاكية أو الاستشارات الهندسية أو الاستشارات القانونية، تراخيص لإقامة مقارّها الإقليمية في الرياض، فيما من المفترض أن تكمل عملية نقل مقارّها خلال عام (بعضها أنهى تلك المهمّة بالفعل). ومن بين مَن نالوا التراخيص المُشار إليها: «بيكر هيوز»، و«شلامبرغر»، و«ديلويت»، و«بيبسيكو»، و«يونيليفر»، و«سيمنز موبيليتي»، و«فيليبس»، و«بي. دبليو. سي»، و«بيتشيل»، و«هاليبرتون»، و«دي. دبليو. أف»، بحسب ما أُعلن في مؤتمر استثماري في الرياض. وتريد المملكة، وفق الرئيس التنفيذي لـ«اللجنة الملكية لمدينة الرياض» فهد الرشيد، استغلال إمكاناتها غير المطروقة للحصول على حصّتها من الأعمال في المنطقة، وهي تستهدف الشركات التي تبلغ عائداتها السنوية مليار دولار فما فوق، في حين تتوقّع أن تجتذب 480 شركة من هذا الحجم بحلول 2030. كذلك، تَتوقّع السعودية أن تضيف عملية نقل المقارّ لوحدها، بخلاف المشاريع التي ستنفّذها، 18 مليار دولار إلى حجم الاقتصاد السعودي، وتَخلق 30 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.
لكن الكثير من المستثمرين ما زالوا حذرين من ابن سلمان، الذي قام قبل أربع سنوات باحتجاز أمراء وضباط ورجال أعمال في ما وُصف بأنه «حملة لمكافحة الفساد»، جرت خارج القضاء وبعيداً عن نظر الرأي العام. وعلى رغم تطمينات وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، إلى أن السعودية تريد أن تكون مكاناً آمناً لإقامة الأعمال، وأن «الحملة لمكافحة الفساد» يجب أن تُعتبر مؤشّراً إلى أن بلاده تفتح صفحة جديدة للمستثمرين حيث يمكنهم الحصول على فرص متساوية، فقد تراجَع الاستثمار الأجنبي المباشر، في 2017، السنة التي وقعت فيها «حادثة الريتز»، إلى 1.42 مليار دولار من 7.5 مليار دولار في 2016، السنة التي سبقت تولّي ابن سلمان ولاية العهد (عاد وارتفع هذا المؤشّر في 2018، لكن إلى حدود 4.2 مليار دولار)، في حين وصل الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارات العام الماضي، إلى 13.8 مليار دولار.