كنا ننتظر من وزير التربية طارق المجذوب، في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه أخيراً، أن يطلعنا على وعد الحكومة في بيانها الوزاري بـ«تعيين مجلس الجامعة اللبنانية وملء الشواغر الأكاديمية» خلال المئة يوم. مرت «المئة» يوم، ولم يقر أي ملف للجامعة التي واكبت الأزمة المحدقة بالوطن، فكانت سبّاقة لمواجهة التطورات منذ بداياتها الأولى، ولمسات أساتذتها موسومة في غير مكان وزمان. إذ انبروا جاهدين للتدريس عن بعد لتأمين المعرفة وتزويد طلابهم بالعلم والثقافة، كي لا يضيع عليهم العام الجامعي، فاجترحوا الحلول وإن كانت صعبة عليهم أولاً، وعلى الطلاب ثانياً، كما تطوّع طلابها في المستشفيات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية لمواجهة «كورونا».«مئة يوم» وست سنوات، والأساتذة المتعاقدون ينتظرون حلا ينصفهم.
«مئة يوم» وأربع سنوات، والمتفرغون ينتظرون دخولهم الملاك، وبعضهم أحيل إلى التقاعد ولم يصدر مرسومهم بعد... بين حكومات وحكومات، بين عهود ووعود، يبقى مصير الأستاذ الجامعي معلقا والجامعة اللبنانية يتيمة.
مرت سنوات والأساتذة يطالبون بإقرار ملفاتهم، ولجأوا الى كل وسائل الضغط من تعليق دروس واعتصامات ومراجعات، ولا من مجيب!
ما التهمة إذا اعتصم الأساتذة المتعاقدون للمطالبة باقرار ملف تفرّغهم؟ ما التهمة إذا طالب المتفرّغون بدخولهم الملاك بعد مضي ست سنوات على تفرغهم وانصرافهم التام إلى العمل في الجامعة؟ علما بأنّ المادة 37 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية حدّدت مدة سنتين لدخول الملاك، مع الإشارة إلى أنه في حال دخولهم الملاك سيدفعون مبالغ تسدد لخزينة الدولة، كما أنّ تأخر إقرار ملف الملاك يرتب عليهم أعباء مالية طائلة عند ضم خدماتهم.
هل من العدل أن يبقى ستون أستاذاً متفرغاً تقاعدوا خارج الملاك؟ فكلما راجعت رابطة الأساتذة المتفرغين في ذلك يكون الجواب في الوزارات المتعاقبة: روتين إداري.
من يتحمل مسؤولية قطع الراتب التقاعدي للمتفرغ الذي امضى عمره في خدمة الاجيال، بمخالفة صريحة لقانون الوظيفة العامة؟ لماذا لا تحترم المادة 5 من القانون 6/70 التي نصت على تخصيص الجامعة «80 في المئة كحد أدنى من مجموع ساعات التدريس المقررة إلى أفراد الهيئة التعليمية المتفرغين»؟ من يتحمل مسؤولية معاناة المتعاقدين وحرمانهم من الضمان الصحي الذي كرسه قانون العمل وشرعة حقوق الانسان؟ لماذا يتجاهل المسؤولون حقوقهم ويجعلونهم ضحية للتجاذبات السياسية والطائفية؟ أليس من المعيب ان يفترشوا الارض ويجوبوا الشوارع لاسماع صرختهم في وطن الحرف والابجدية؟
ألا يكفي ما يواجهه المتعاقدون والمتفرغون من عدم الاستقرار الذي يعيشونه؟ لماذا نيئس الأساتذة وندفعهم الى الهجرة لاحقا؟ ألا يكفي أن رواتبهم تآكلت كباقي القطاعات؟ فلماذا لا يستقر بالهم بإقرار ملف الملاك لمتفرغي دفعة 2014 والتفرغ للمتعاقدين المستحقين، ما يسمح لهم بمتابعة طلابهم وبالإشراف الاكاديمي من دون ارتباك؟
تعزيزا لدور الجامعة الريادي، وحرصاً على تقديم الأفضل للطلاب الذين ستزداد أعدادهم أكثر العام المقبل في الجامعة، وتقديراً لتعب الأساتذة وجهودهم واحتراماً للقوانين والمراسيم اللبنانية، نطالب وزارة التربية والمعنيين بالاهتمام بجدية ومسؤولية بقضايا أساتذة الجامعة اللبنانية التي كانت وستبقى عنوان الوطن وقلبه الدافىء وروحه التي لا تنبض إلا إخلاصا ووفاء.

* ممثلة اساتذة كلية الآداب في مجلس الجامعة