على كتف دمشق، وقريباً من الأحياء التي كانت تسرح فيها المعارضة المسلّحة وتمرح، يقع أحد النوادي التي يغنّي فيها وضّاح إسماعيل! الاسم الذي لم يحالفه الحظ منذ انطلاقته، ليكون نجماً مكرّساً رغم موهبته وحضوره وشهرته الطائلة... ما زال حتى اليوم كلّما اعتلى مسرحاً، يطلب منه الجمهور أن يردّد: «رضينا بحكمك يا زمن ومشينا وعشنا الندم يبكي الأسى فينا وانتهبنا قبل ما نبدا انتهيا». إنها أغنية مسلسل «المحكوم» الذي أغلق الشوارع سنة 1996 في سوريا. يومها، كان جمال سليمان وأماني الحكيم هما ثنائي الحبّ الذي نتلقّفه بلهفة عامرة، بينما كان خالد تاجا وهاني الروماني بمثابة ثقل نوعي يضاف إلى القيمة الفنية لعمل بوليسي مصنوع بعناية وجدّية كتب نصّه الراحل رياض سفلو، وأخرجه الراحل محمد فردوس أتاسي (1942 ــــ 2021). المخرج الذي أسهم في وضع المداميك التأسيسية للصناعة الدرامية والتلفزيون السوري، أغمض عينه أول من أمس ومضى إلى غير رجعة. استسلم أمام آلام كورونا التي لا تُحتمل! ولاكتشاف التهميش الذي تعرّض له الراحل مثله مثل غالبية أبناء جيله، كان علينا أن نبدأ من أنفسنا ونبحث في موقعنا لنكتشف بأن «الأخبار» لم تفرد عنه مساحة وافية ولو لمرة واحدة منذ تأسيسها، وهي حال غالبية المنابر الإعلامية! كيف للإعلام أن يفعل ذلك وأصحاب القرار الإنتاجي يغيّبونه تماماً! إذ كان كلّ شيء اشتغله منذ أكثر من عقد مسلسل «وطن حاف» (كتابة كميل نصراوي وإخراجه مع مهند قطيش- العمل 30 حلقة كلّ مخرج أنجز 15 حلقة، باقتراح من مديرة «المؤسسة العامة لمؤسسة الإنتاج التلفزيوني» آنذاك ديانا جبور بغية تنشيط حضور المخرجين المخضرمين الذين غُيّبوا عن المشهد). على أيّ حال، لن يفيد الندم بعد اليوم، فقد طوى ابن عاصمة الفكاهة السورية حمص صفحة كتابه الأخيرة وغادر بصمت يشبه ما كان يفعله في حياته. رغم أنه احترف مهنة الضوء، لكنّ الصمت كان سمة مشواره، بالإضافة إلى كلمته «حبّي» باللهجة الحمصية المحبّبة. الرجل المتخصّص في مجاله، حاصل على ماجستير في الإخراج من أكاديمية الفنون في براغ، وقد التحق بنقابة الفنانين السوريين عام 1971. شغل منصب رئيس دائرة المخرجين في التلفزيون السوري، وأنجز مجموعة أعمال إبداعية غالبيتها مسلسلات تلفزيونية. وقد نُقل جثمانه صباح أمس من «مستشفى الأندلس» في الشام إلى حمص وصُلي عليه في «مسجد الأتاسي» ثم ووري جثمانه في مقبرة العائلة.