دُعيتُ إلى المساهمة بشيء عن الثقافة والإسلاميين بعد وصولهم إلى الحكم في مصر، كما قيل، ديمقراطياً، فوجدتُ عندي كلمتين أقولهما في هذا الشأن: إنّ هناك العالم، وهناك الهوية؛ وإنهما ــ في ما يفرضه الطرح «الإسلامي»، سلفياً كان أو جهادياً أو إخوانياً أو حتى إيرانياً شيعياً ــــ متناقضان. كمسلمين بالولادة (وبغض النظر عن اقتناعنا بالعقيدة)، حقّنا أن نعيش في العالم بهويتنا؛ أن تكون لنا حقوق الآخرين وما لهم من رفاه من دون أن نضطر إلى إسقاط تلك الهوية. والحاصل أنّ حقنا مسلوب ــ بدرجة أو أخرى ــ منذ أن انتصرت هوية أخرى. إلى هنا نتفق. لكن هل يوجد مخرج من هذا المأزق التاريخي؟ المشكل أنّ الهوية الأخرى هذه، بانتصارها، إنما صاغت العالم الذي نشارك أصحابها في العيش بشروطهم، شئنا أو أبينا: شروطهم. ولم يعد في هويتنا عملياً سوى اسمها، إضافة إلى بعض المميزات المعنوية المذمومة إجمالاً، كالطائفية والطغيان والهوس الجنسي والاستهانة بالحياة. فهل يسعى الإسلام السياسي إلى إعادة صياغة العالم كلياً بما يبرر أو ينشر هذه الصفات؟ لأنّه بالتأكيد لا يسعى إلى مناهضة الرأسمالية العالمية ولا المساهمة في الحضارة كما نعرفها حتى نحن في العصر الذي نعيش فيه… فهل يسعى إلى فرض هوية لا يميزها سوى أنّها في مساحة منفصلة عن كل أسباب الحياة بما فيها الأخلاقي منها، غير متسقة مع العصر؟ وهل هناك من يعتقد أن هذا ممكن؟ أم أنّ الإسلام السياسي بينما يكتفي بقمع حريات من شأنها أن تجعلنا أنداداً لمن صاغوا عالمنا (العقلانية والعلم والإبداع، المواطنة وحقوق الإنسان وتداول أو تجاوز السلطة)… أم أنّ الإسلام السياسي، أقول «بينما يكتفي بقمع الحريات» يختزل فكرتنا عن الهوية في طقوس ومظاهر وخطابات لا يفصلها عن الحياة العصرية ذاتها سوى أنها تعتذر عن الصفات السالفة الذكر وتتخذ من الهزيمة التاريخية سبباً للوجود أو العداء؟
الشريعة الإسلامية ما زالت لم تحرم الرق ولا التجارة بأجساد النساء بدعوى تعدّد الزوجات، ولا حتى قطع أيدي المذنبين ورؤوسهم أو رجمهم حتى الموت (مجرد أمثلة)؛ البيعة ليست انتخاباً والشورى ليست ديمقراطية، كما أن الإلحاد ليس كفراً بالضبط، ولا غير المسلمين من سكان البلاد ذات الأغلبية الإسلامية أهل ذمة... لا أظن التصور «الإسلامي» لحياتنا يمكن أن يتسع للثقافة حتى في تقاطعها مع الإسلام بمعناه التاريخي أو الحضاري، ولا أظن المضطلعين بالثقافة على استعداد لممارستها في ظل ذلك التصور. لكن هكذا أعود فأتساءل: ما دخل الإسلام بالسياسة المعاصرة أصلاً، دعك من الثقافة المعاصرة على خلفية سياسية؟

* روائي وكاتب مصري