أوّلاً: أنهى الاحتلال الإسرائيلي، بالكامل، مسار المفاوضات الذي ارتضاه البعض بديلاً من المقاومة لتحصيل جزء من الحقوق الفلسطينية، ولم يَعُد مستعدّاً لإعطاء فتات الفتات من الحقوق، بل ولم يَعُد معنيّاً حتى بتنظيم لقاءات شكلية للقول إن هذا المسار لم يَمُت.
ثانياً: باتت المزايدات في مواجهة الفلسطينيين جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للإسرائيليين ومسؤوليهم، الذين يتسابقون على تظهير التطرّف واليمينية، حتى بأشكالهما غير المجدية للمشروع الصهيوني نفسه، إلى حدّ أن «زلّة» رئيس حكومة العدو، نفتالي بينت، بقوله «الضفة» بدلاً من «يهودا والسامرة»، عُدّت خطأ استراتيجياً قد يدفع جرّاءه ثمناً غالياً.
أنهى الاحتلال الإسرائيلي، بالكامل، مسار المفاوضات الذي ارتضاه البعض بديلاً من المقاومة
ثالثاً: ضعف السلطة الفلسطينية، وانكشاف حقيقة وظيفتها الأمنية بوصفها وكيلاً للاحتلال في مواجهة الفلسطينيين، كما وتأكّد تبعيّتها على رغم مبالغة الاحتلال في إذلالها، فضلاً عن شحّ مواردها المالية نتيجة الإجراءات الإسرائيلية ضدّها، والمبنيّة أيضاً على المزايدات في الداخل الإسرائيلي.
رابعاً: هرولة أنظمة عربية إلى التطبيع مع العدو، بصورة لم تَعُد تُراعي حتى الشكليات، بل باتت الشكليات نفسها - وإنّما في الاتّجاه المعاكس للتضامن مع الفلسطينيين - محلّاً للتسابق بين تلك الأنظمة إرضاءً للراعي الأميركي، وما الخشوع أمام قبر دافيد بن غوريون إلّا نموذج من ذلك.
خامساً: كلّ الأسباب المُساقة هنا وغيرها الكثير، عزّزت خيار المقاومة لدى الفلسطينيين، وأبعدتهم عن الخيارات الأخرى، ليس لفاعليته في تحصيل الحقّ الفلسطيني بالضرورة، بل لأنه يضرّ بالاحتلال ويجبي منه أثماناً، وتلك واحدة من أهمّ المعضلات التي تواجهها إسرائيل؛ إذ باتت أذيّة المحتل هدفاً بذاتها للعمل الفردي للمقاومين، من دون أيّ ربط بنتيجتها الكبرى على مستوى الوطن، وفي ذلك تغيّر جوهري بات يسرّع في إفراز «ذئاب منفردة» بعيداً من أيّ تدخّل من أعلى.
لكن، لماذا انفجرت الموجة الأخيرة من العمليات في هذا التوقيت، على رغم أن الأسباب المذكورة أعلاه موجودة منذ زمن؟ في الواقع، لا يبدو السؤال عن توقيت الانفجار مفيداً، بل المهمّ هو النتيجة التي اشتغل الاحتلال على محوها طويلاً من الوعي الفلسطيني، وهي أن وجود إسرائيل بذاته سبب للمقاومة، فيما أيّ حديث عن عوارض خارجية أو تحفيز وتحريض ودعم مالي ولوجستي وعقائدي أو تأثير قيادي في هذه الساحة أو تلك، لن يجدي تل أبيب نفعاً. ومن هنا، تبرز معضلة الخيارات المتوافرة أمام إسرائيل، وهي إن وُجدت فستكون بالتأكيد من خارج صندوق الأدوات المعتاد. وعلى أيّ حال، فالانفجار الكبير خطا أولى خطواته، في حين يبدو من المبكر تقدير مآلاته.