وبعد مرور أيام على الحملة، ونظراً إلى استمرارها، اضطرّت العديد من المؤسّسات إلى إصدار بيانات إدانة. وفي هذا الإطار، استنكرت «الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان» الاعتداءات ضدّ النشطاء وطلَبة جامعيين، وخصوصاً منهم كوادر الكتلة الإسلامية وحركة «حماس»، بالتزامن مع ذكرى انطلاقة الحركة، في ما يؤشّر إلى وجود نيّة لتقييد الاحتفاء بالمناسبة. وأفادت الهيئة بأنها وثّقت استدعاء العشرات من هؤلاء، وتوقيف عدد منهم لفترات متفاوتة، مضيفة أنها «تنْظر بخطورة بالغة إلى الطريقة التي جرى بها تنفيذ بعض تلك الاعتقالات، وما رافقها من استخدام للقوّة المفرطة في التعامل مع عائلات المعتقَلين وترويعهم»، مُؤكّدة أن «الإجراءات الأخيرة تشكّل انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير وحرية العمل السياسي والتجمّع السلمي». وطالبت بـ«فتْح تحقيق في هذه الحالات، خاصة حالة الاعتداء على المواطِنة رنين الهور، أثناء اعتقال شقيقها ووالدها في منطقة صوريف شمال الخليل»، داعيةً إلى الإفراج الفوري عن جميع الموقوفين ووقْف الاستدعاءات.
لا تنفصل الحملة التي تشنّها السلطة، عن حالة الغليان التي تشهدها الأراضي المحتلّة عموماً
ولا تنفصل الحملة التي تشنّها السلطة، عن حالة الغليان التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلّة عموماً، وتحديداً الضفة، لناحية ارتفاع مستوى الاشتباك مع قوات الاحتلال، والذي قدّرت الأوساط الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية أن حركة «حماس» تلعب دوراً في التحريض عليه، بالتوازي مع اتّهامها السلطة بالتقصير في ممارسة دورها إزاء ذلك. وبالتالي، فإن هذه الحملة تأتي لإظهار قوّة السلطة، وقدرتها على السيطرة على الأوضاع إذا ما أرادت، وهو ما يفسِّر ضخامة حجم الاعتقالات والاستدعاءات، والذي لم يُسجَّل مثله منذ سنوات الانقسام. وعلى رغم ما تحمله تلك الاعتداءات من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو انتهاكات قانونية، وما قد تجرّه من تداعيات أو توتّرات داخلية، إلّا أن هذا يبدو آخر ما يقلق المؤسّسة الأمنية الفلسطينية، التي وثّقت مؤسّسات حقوقية لجوءها إلى استخدام القوّة في بعض الحالات. كما أن من شأن الهجمة الأخيرة أن تبدّد حالة الهدوء الداخلي التي سادت في الفترة الماضية على ضوء الجهود الجزائرية لإتمام المصالحة، وعقب سماح حركة «حماس» أخيراً لحركة «فتح» بإحياء ذكرى رحيل الرئيس ياسر عرفات في غزة. وتزامَنت الجولة الأحدث من ممارسات السلطة، مع أخرى مماثلة أقدمت عليها قوات الاحتلال، مستهدِفةً قيادات وأسرى محرَّرين من «حماس» في مناطق متفرّقة في الضفة، من بينهم القياديون المحرَّرون رزق الرجوب، وجاد الله الرجوب، ويوسف أبو راس، ومحمد كامل اقطيل، وجميعهم من بلدة دورا جنوب الخليل.
ويرى مدير «مجموعة محامون من أجل العدالة»، مهند كراجة، أن «الأجهزة الأمنية تحاول فرض الهيمنة والقوّة ضدّ المعارضين والنشطاء السياسيين، وخاصة الذين ينتمون إلى حركة حماس»، موضحاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحملة الحالية هي الأكبر منذ مجيء السلطة، ومَن يراجع حالة الاعتقالات السياسية والاستدعاءات اليوم، فإنها تُشابه عام 2007 خلال فترة الانقسام»، مضيفاً أنه «لا توجد إمكانية لرصد الإحصائيات المتعلّقة بالاعتقالات والاستدعاءات نظراً لتَغيّرها كلّ دقيقة». ويلفت عضو «الحراك الوطني الديموقراطي»، عمر عساف، بدوره، إلى أن «الاعتقالات ليست جديدة، وإنّما هي سياسة عامّة للسلطة الفلسطينية، ولكنها تأتي في ظروف مختلفة من تنامٍ للعمل المقاوم الذي يحتاج إلى تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني، ومقوّمات المقاومة التي تتصاعد على امتداد الأرض الفلسطينية، كما أنها تأتي في ظلّ تشكيل حكومة يمينية من عُتاة المستوطِنين، مع ما يفرضه ذلك من تحدّ كبير لكلّ الوضع الفلسطيني، وضرورة تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة ما ينوي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتيرتش القيام به». ويَعتبر عساف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاعتقالات تأتي في سياق تأكيد السلطة على سياستها البائسة في علاقتها مع المقاومة»، عادّاً ذلك «تعزيزاً للتنسيق الأمني وتعميقاً له، ولذا فهو يتعارض مع قِيم شعبنا وسعيه لوحدته، وخصوصاً في مناسبات وطنية، فقَبل أيام أحييْنا ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية، وقَبلها ذكرى الانتفاضة وذكرى استشهاد ياسر عرفات، وهي مناسبات شكّلت فرصة لتعزيز الاشتباك مع الاحتلال، ومن هنا الاعتقالات تُعاكِس التوجّه الوطني والشعبي».