أكدت مؤشرات الساعات الماضية في البلاد ما كانَ يُشاع لجهة أن تأليف الحكومة الجديدة يُراوح في دائرة التأزم، وأن بيانات التفاؤل، التي تُطلَق بينَ الحين والآخر، ليسَت سوى نِتاج عدم اطّلاع المكوّنات السياسية على حقيقة المداولات، فضلاً عن تخبّط رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بقراراته ووقوعه في شرك وعوده المتناقضة الى رئيس الجمهورية والكتل، ما يُسعّر التطاحن على توزيع الحقائب وتسمية الوزراء. هذا المسار الذي يتبعه الحريري كشف باكراً أن المناخات الإيجابية التي جرى ضخّها في مسار التأليف مباشرةً بعدَ التكليف، وأوحت باحتمال ولادتها في غضون أيام، كانَت مفتعلة، وأخفَت خلفها محاولات ليّ أذرع بين الحريري من جهة، ومن جهة أخرى بينَ الرئيس ميشال عون ورئيس تكتّل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، وهو ما انسحَب على سير المداولات مع باقي الأفرقاء، إذ إن عقدة واحدة من شأنها أن تُطيح أي اتفاق آخر، والتعديل في حقيبة أو اسم يتطلب تعديلاً على باقي الحقائب.وبينما كانَ مُنتظراً أن يحطّ رئيس الحكومة المكلف أمس في قصر بعبدا، حاملاً معه تشكيلة «أولية»، لم يُسجّل لقاء بينه وبينَ عون، ما يعكِس أزمة حقيقية، تُعيدها أوساط مطلعة على ملف التأليف إلى كيل الرئيس الحريري بمكيالين. فما وصل إليه حالياً سببه «عدم التزام الأخير بوعود تقدّم بها الى عون»، فهو حين كانَ يزوره في الأيام الماضية كانَ «يؤكّد لرئيس الجمهورية أنه مستعدّ للتعاون معه إلى أقصى الحدود، وأنه لن يمانع أي مطلب يريده، لكن عون فوجئ بعد ذلِك بأن الحريري باتَ يضع فيتوات على أسماء يطرحها رئيس الجمهورية ويضع له شروطاً، الى حدّ أن عون وفي جلساته باتَ يتهمه بالمراوغة».
عقدة التمثيل المسيحي غير مرتبطة حصراً بحصة عون وشراكة التيار الوطني، بل تتعدى ذلك إلى إصرار الحريري على الحصول على مقعد وزاري مسيحي، ما يعني أن حصة رئيس الجمهورية (والتيار الوطني الحر) في الحكومة ستتراجع إلى 4 مقاعد في حكومة من 18 وزيراً (وزيران للمردة، وزير للقومي، وزير للطاشناق، وزير للحريري). وهذه المعركة ليسَت وحدها ما يعرقل التأليف، في ضوء معارك جانبية. وأبدت مصادر معنية بالتأليف استغرابها لجهة التضارب في المعلومات التي تخرج من بعبدا ووادي أبو جميل، وعلى لسان فريق كل من رئيسَي الجمهورية والحكومة «فكلا الطرفين يقدّم أخباراً مغلوطة»، إذ في مقابل الحديث في «بيت الوسط» عن اتفاق على حكومة من 18 وزيراً، تقول مصادر بعبدا إن رئيس الجمهورية «منفتح على هذا الخيار، لكنه لم يحسم أمره بشأنه بعد». وفي موازاة تأكيد «قبول الحريري بإعطاء عون وزارات العدل والدفاع والداخلية، ينفي مقربون من رئيس الحكومة الأمر، كما ينفي هؤلاء قبوله بإعطاء وزارة الطاقة الى التيار الوطني». وهذه الازدواجية أثارت غضب عون «الذي وصله هذا الجو في وقت كانَ يبحث فيه باسم لوزير الداخلية»!
لم يُسجّل أي لقاء بين الحريري وعون في الساعات الماضية


ومن العراقيل التي تعترِض مسار التأليف أيضاً، وفقَ مصادر سياسية هي «مطالبة تيار المردة بحقيبتين، إحداهما وزارة الاتصالات»، وإصرار رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط «على وزارتَي الصحة والشؤون الاجتماعية كما وعده الحريري». وفيما علمت «الأخبار» أن «النائب طلال أرسلان يشتكي من الرئيس عون»، معتبراً أنه «أطاح به خارج الحكومة»، تبيّن بأن الحريري «منقطع عن الجميع، فهو لا يتحدث الى حزب الله أو حركة أمل، كما أنه يتهرّب من التواصل مع جنبلاط، إذ إن آخر اتصال جرى في هذا الصدد كان مع النائب وائل أبو فاعور الخميس الماضي، حيث بادر الأخير الى الاتصال بالحريري»، كما أنه لم يتواصل مع «الخليلين» منذ أكثر من عشرة أيام. وكانَ لافتاً، أمس، غياب أي اتصالات تذكر بشأن التأليف.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا