مع تفاقم الأزمة وتسارع انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، لا يتوقف الحديث عن زيادة تعرفة الهاتف الخلوي. لكن الكلام لا يصدر عن جهة رسمية. وربما الخشية في ذلك تعود إلى كون حراك 17 تشرين اشتعل على خلفية ما قام به وزير الاتصالات السابق محمد شقير حين اقترح فرض تعرفة على خدمة الواتساب. يتكرر المشهد نفسه اليوم حول احتمال رفع تسعيرة الخلوي أو بالأحرى تسعيرها بالدولار لا بالليرة اللبنانية، علماً أن الفاتورة تصدر بالدولار أصلاً، لكن الشركتين لا تزالان تتقاضيانها على أساس السعر الرسمي للدولار، أي 1515 ليرة لبنانية.ما يعزّز نظرية اتخاذ قرار بزيادة التعرفة هو وقوع شركتَي «ألفا» و«تاتش» في أزمة تأمين المازوت وآلية الدفع، في ظل عدم موافقة مصرف لبنان على تأمين الدولارات للشركتين بحسب سعر المنصة واضطرارهما منذ بدء تسعير المازوت بالدولار، إلى تأمين دولارات من السوق بينما القانون يمنعهما من ممارسة هذا العمل. يضاف إلى ذلك، ارتفاع فاتورة استهلاك المازوت مقابل ثبات في الإيرادات، ما يتسبب بعجز، لا سيما عندما تصبح فاتورة المازوت تفوق حجم الإيرادات والأرباح.
وزير الاتصالات جوني قرم نفى لـ«الأخبار» أن يكون مشروع تحويل الفواتير الخلوية إلى الدولار على سعر 3900 ليرة وارداً، كما نفى أي زيادة في التعرفة، مشيراً إلى أن أيّ من الشركتين المشغلتين للقطاع لم تطرحا عليه هذه الفرضية، وأن مشروعاً مماثلاً بحاجة إلى قرار من مجلس وزراء وتنسيق مع وزيرَي المالية والاقتصاد، ولا يتم بشكل فردي. ويربط الحديث عن زيادة التعرفة بلغط يتعلّق ببدء تقاضي كلفة الاتصالات الخارجية وخدمة التجوال الدولي (الروميغ) بالدولار «حتى لا نقع في خسارة».
ولفت قرم إلى أن «مصرف لبنان وافق أخيراً على تسديد الشركتين ثمن المازوت لمنشآت النفط بالليرة اللبنانية على أن يقوم هو بتحويلها إلى الدولار، لكن وفق سعر السوق». أما في ما خصّ الحديث عن صمود الشركتين لغاية الربع الثاني من العام المقبل قبل الدخول في عجز، فيقول إن «تسعة شهور تُعدّ وقتاً طويلاً ونحن نعدّ خطة للقطاع من ضمنها إيجاد مصادر إيرادات إضافية من دون رفع التعرفة».
أما رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسين الحاج حسن فيعتبر أن هذه الخطوة إيجابية وتصب في مصلحة القطاع، انطلاقاً من أن الدفع مباشرة للمنشآت يخفض من التكاليف التي يذهب جزء منها للموردين. ويحذر الحاج حسن من أن الوضع الحالي للشركتين ينبئ بالخطر، إذ إنهما بعدما كانا يحققا إيرادات تصل إلى 2200 مليار ليرة أو ما يوازي 1.5 مليار دولار على السعر الرسمي، فإن هذا المبلع، حتى مع زيادة العائدات بالليرة، انخفض إلى نحو 120 مليون دولار.
لا زيادة قريبة في أسعار الاتصالات والقطاع سيصمد 9 أشهر


في موازاة كلام قرم والحاج حسن، تشير مصادر شركتي الهاتف الخلوي إلى أن تكلفة المازوت الجديدة تشكل نصف ما يدخل من إيرادات والنصف الباقي يجري صرفه ما بين مصاريف صيانة ورواتب وعقود إيجار ونفقات نقل وغيرها. بالتالي، «استمرار سعر المازوت بالارتفاع فيما الإيرادات ثابتة سيؤدي إلى مشكلة قريباً». والحل؟ «في النهاية، سنكون أمام خيارين، إما اعتماد سعر صرف للدولار يوازي 3900 ليرة، أو الدخول في عجز سينعكس سلباً على الخدمات ويؤدي حتما إلى انهيار القطاع الخلوي لعدم القدرة على دفع نفقات الكهرباء والصيانة والإيجارات والاشتراكات».
خبراء في قطاع الاتصالات يبدون رأياً مختلفاً، ويعتقدون أنه يمكن الموازنة ما بين أوضاع المشتركين التي انحدرت خصوصاً من يتقاضى الحدّ الأدنى ولا يمكن له تحمّل زيادة التعرفة، وبين نوع الخدمة التي تقدمها الشركتان مقابل المبالغ المدفوعة. ووفق هؤلاء الخبراء، فإن «30 في المئة من مدخول الشركتين يُدفع على المازوت وهي نسبة مرتفعة حتى لو بقيت نفسها ولم ترتفع. كما أن «ألفا» و«تاتش» لم تدفعا للشركات أو الموردين مستحقاتهم منذ فترة طويلة سوى بنسب قليلة»، وقد تراكمت عليهما الديون. لذلك يكمن الحلّ في «احتساب الفاتورة على أساس سعر صرف يوازي 3900 ليرة لبنانية مقابل تحسين نوع الخدمات سواء من ناحية زيادة أيام السماح أو زيادة صلاحية بطاقات التشريج. ويمكن التفكير في عروضات كثيرة تفيد المشترك وتعطيه محفزات إضافية مقابل المبلغ المدفوع من جهة وتساهم في إعادة نهوض القطاع من جهة أخرى».
لكن أصحاب هذا الرأي يحذرون من أن أي أمر خلاف ذلك، «يجعلنا أمام عملية نهب للناس، في حال رفعنا التسعيرة مقابل العروض والخدمات نفسها وعلى رداءتها. ثمة ما يتعلّق أيضاً بواجبات الوزير»، إذ تقول المصادر إن في مجلس النواب عشرات الملفات حول الفساد في عقود شركتي الاتصالات مع أطراف أخرى. ويفترض بوزير الاتصالات أن «يكون شغله الرئيس مركزاً على مراجعة هذه العقود وإيقاف الهدر المنظم للأموال العامة ووقف كل العقود الوهمية أو تلك التي لا تحوي سوى على تنفيعات».
وتقلل المصادر من أهمية موافقة مصرف لبنان على دفع الدولار للمنشآت النفطية مقابل المبلغ الذي تدفعه الشركتان بالليرة اللبنانية، ذلك لأن الشركتين لا تتعاملان بشكل مباشر مع المنشآت بل من خلال مورد خاص، وكانتا تدفعان له بالليرة. حتى أن الكمية التي تمت تعبئتها خلال الشهر الماضي بلغت نحو مليونَي ليتر. لذلك، يتخوّف الخبراء من أن يكون ثمة خطة معدّة مسبقاً لإيصال الشركتين إلى عجز منظم يهدف إلى أمرين: إما اللجوء إلى مصرف لبنان لطلب سلفة مالية، ما يضعهما تحت رحمة المصرف بحيث يمكن له وضع اليد عليهما في حال تراكم الديون وعدم القدرة على تسديدها بما يحولهما إلى «ميدل إيست» أخرى، أو في أحسن الأحوال خفض قيمتهما تمهيداً لبيعهما للقطاع الخاص بسعر بخس. وهو ما يصب في النهاية في مصلحة المصارف التي سبق أن جعلت من بيع القطاع جزءاً من خطتها لتغطية خسائرها وخسائر مصرف لبنان.