قبل بضعة أيام، استدعت السفيرة الأميركية دوروثي شيا مجلس إدارة جمعية المصارف ووبّخت أعضاءه متهمة المصارف بتعطيل اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي، عبر معارضتهم للخطّة التي أعدّها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وتوصل من خلالها إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين.وبحسب المصادر، أرسلت شيا في طلب مجلس إدارة جمعية المصارف لإبلاغهم الآتي: «لقد التقيت مراجع مالية عليا في واشنطن خلال زيارتي الأخيرة إلى هناك، واطلعت منهم على كل الخطوات التي تقوم بها المصارف بخصوص عرقلة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. عليكم أن تعلموا أن الاستمرار بهذه العرقلة تعني أنه بات يتوجب علينا التعامل مع المسألة بطريقة مختلفة».

(هيثم الموسوي)

هذه العبارة دبّت الرعب في قلوب أعضاء الجمعية الذين انصرف بعضهم إلى تبرير ما يقوم به لجهة حماية أصولهم، واستطراداً حماية الودائع. آخرون تحدثوا عن لبنان بصيغته السابقة، أي الصيغة التي كان يتغنى بها عن الامتثال للقوانين الدولية والأميركية، وعن التعاون، وعن لبنان الذي يستقطب الودائع والتحويلات ويعيش عليها... المبرّرات هبطت بالجملة على شيا، إلا أنها لم تعر كل ذلك الأمر أي اهتمام، بل كانت تركّز على «الفرصة الأخيرة» لدى لبنان بشأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وضرورة القيام بالإصلاحات... وكل الكلام الذي يندرج ضمن المعزوفة الدولية والمحلية التي يسمعها لبنان على لسان السفراء ومندوبي الدول والخبراء والاختصاصيين المحليين المناوئين للسلطة بشكلها القائم.
في الواقع، كان لافتاً لبعض المصرفيين أن شيا لم تسمّ أي مراجع عليا تواصلت معها في واشنطن. ففي العادة كانت الرسائل الجديّة التي تودّ الإدارة الأميركية توجيهها إلى لبنان، تأتي بواسطة مساعد وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، وهو المنصب الذي يشغله حالياً مارشال بيلينغسلي. بعض الرسائل كانت تأتي عبر مصارف المراسلة إنما كانت عبارة عن تطبيق الرسائل التي يوجهها المساعد المذكور أو أشخاص في وزارة الخزانة الأميركية. لذا، فإن رسالة شيا، وإن كانت تنطوي على طابع تهديدي، إلا أنها لم تفعل فعلها في إرهاب قلوب المصرفيين، ولا سيما أن غالبيتهم يدركون جيداً أنهم مفلسون، وأن مسألة توزيع الخسائر معقّدة ومتداخلة مع التقاطعات السياسية، ولا يمكن معالجتها بتصريح من هنا أو هناك. لا بل هم يدركون أيضاً أنهم الطرف الرابح، لغاية الآن، في معركة توزيع الخسائر. كل ما يتوقعون خسارته هو رساميلهم. وهو أمر لا يهتمون فعلاً بحصوله، بمقدار ما هم مهتمون بالبقاء في السوق من دون رسملة كبيرة إضافية تفرض عليهم إعادة أموال هرّبوها إلى الخارج، أو عبر فقدان أصول شخصية في عملية توزيع الخسائر. فالتوزيع القائم حالياً على يد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يعفيهم من كل هذه المخاوف. بالتالي فإن معارضة الخطّة في ظل التقاتل السياسي على خلفية الاستحقاقات الكبرى، مثل الاستحقاق الرئاسي، هو مجرّد خطوة لكسب المزيد من الوقت وإفساح المجال أمام استمرار عملية التوزيع بالشكل الراهن بلا أي أثمان إضافية، ومواصلة البقاء في السوق ولو على شكل «زومبي».
وبحسب بعض المصرفيين المشاركين في جلسة الاستدعاء هذه، فإن الأمر لا يتعلق بما تريده الإدارة الأميركية لجهة اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي، بمقدار ما يطلبه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من السفيرة شيا واستعدادها لمساعدته في هذا السياق. لذا، يشير بعضهم إلى أن الكلام الذي وجهته شيا، هو كلام نابع أصلاً من ميقاتي الذي يمسك عصا الصندوق من جهة، والحفاظ على حاكم مصرف لبنان من جهة ثانية، وهو لا يرى مانعاً في التضحية ببعض المصارف من أجل تلميع صورته، ولا يتورّع أيضاً عن الطلب من السفراء ممارسة الضغوط على أطراف محلية.