بعد طول انتظار تعاقد الاتحاد اللبناني لكرة القدم مع مدربٍ جديدٍ للمنتخب الوطني الأوّل. الروماني ليفيو تشيوبوتاريو اختير بعد غربلة أسماءٍ عدّة، منها من لم يتمكّن اتحاد اللعبة من التعاقد معها بسبب عقودها المالية الكبيرة، وأخرى كانت مرتبطة بعقود. قبل ثلاثة أشهر على انطلاق التصفيات المزدوجة المؤهلة إلى كأس العالم «قطر 2022» وكأس آسيا «الصين 2023»، سيخوض المنتخب بطولة غرب آسيا في العراق إلى جانب بعض المباريات الوديّة، أملاً في أن يتعرّف المدرب الجديد على اللاعبين بعد انتهاء جميع المسابقات المحليّة. مهام صعبة تنتظر الروماني الأوّل، لكنها من المفترض أن تكون أسهل من تلك التي واجهها المونتنيغري ميودراغ رادولوفيتش.

بالنسبة إلى قسمٍ من الجمهور، الإخفاق يبدو واضحاً، بعد التعاقد مع مدرب بسيرة ذاتية متواضعة، وقبل فترة قصيرة من الاستحقاق الكبير، فيما يرى قسمٌ آخر، أن الهوية لم تعد مهمّة، وتغيير اسمٍ لن يُغيّر من واقع أن المدرب الجديد سيصطدم بمشكلاتٍ عانى منها أسلافه، وبقلّة اهتمام عاصرها معظم المدربين.
بعد خسارة مباراةٍ أو أكثر، سيخرج مدرب منتخب لبنان الجديد ليتحدّث عن مشكلات كرة القدم اللبنانية. سيقول إن المنتخب لا يملك ملعباً خاصّاً، وإنه تسلّم القيادة قبل فترة قصيرة على انطلاق التصفيات، وإن التحضيرات لم تكن مثالية، وربما طلب لقاءات وديّة أهم من التي وُفّرت له. سيشرح الفوارق بين المنتخب اللبناني والمنافسين على صعيد المنشآت الرياضية والدوري المحترف والتحضيرات التي تُؤمّنها اتحاداتهم الوطنية. سيقول الكثير ليُبرر الخسارة، وهو أمر لا مفر منه بكرة القدم ومن الطبيعي أن يحدث، خاصّة بعد مواجهة أحد عمالقة القارة، ومنتخب آخر ربما يمتلك المستوى عينه الذي يتمتع به لبنان، ولكن بظروفٍ أفضل يعيشها. كلُّ ما سيقوله سيصيب الحقيقة، والإعلام سيتفهّمه ربما، وقد يتعاطف الجمهور مع ما يعيشه أيضاً، وهو الذي عاشه من سبقوه، الذين أسمعونا «السيمفونية» عينها كل بضعة أشهر. الاتحاد لن يكون له موقفٌ واضح، كما في كلّ المواضيع الأخرى، يُمارس دور المتفرّج، والصامت غالباً. هو قبل تعيين المدرب بدأ بالحديث عن الإمكانيات المادية المتواضعة، وعن دراسة العديد من السير الذاتية لمدربين، الاتحاد يعلم، والجمهور يعلم، كما الإعلام، أنهم لن يتولّوا قيادة المنتخب. في السياق عينه، سيقول أحد اللاعبين إننا نملك الإمكانيات الفنّيّة ولدينا مواهب هي الأفضل ربما بين جميع المنافسين، لكن المجموعة صعبة والتأهّل إلى الدور الثاني أصعب وعلينا أن نحسب حساباً للجميع، وهو كلامٌ فيه الكثير من الصحة أيضاً. جميع الأطراف محقّةٌ في كل ما سبق وقيل وأعيد، وحتّى إذا تأهل المنتخب إلى الدور الثاني سيكون السيناريو هو عينه، لكن بشكلٍ مختلف، كـ«تأهلنا على الرغم من هذا وذاك».

سيكون من الظلم أن يُقيّم تشيوبوتاريو قبل أن يقود المنتخب في بعض المباريات


على الجهة المقابلة سيخرج من يقول إن الاتحاد لم يختر المدرب المناسب. سيرته الذاتية واضحة. لم يُدرّب أي منتخب في السابق، وتنقّل بين أنديةٍ كثيرة، وتجربته العربية ليست كبيرة. بعض المشجعين سيباشرون بتسمية مدربين لبنانيين لقيادة المنتخب. «هم أعلم بحالنا وأقرب إلى اللاعبين وأثبتوا أنفسهم مع الفرق التي درّبوها». سيُلقى اللوم على المدرب. هذه هي الحال دائماً. أحياناً يكون الأمر صحيحاً، بعض المدربين ليسوا ناجحين فعلاً.
ربما يُخفق المدرب الجديد بالتأهّل إلى الدور الثاني وحجزِ مقعدٍ في بطولة كأس آسيا، وربما يبقى مع المنتخب، كما حصل مع من سبقه. قد ينجح أيضاً ويؤكّد بقاءه. لاحقاً سيصطدم بمنتخباتٍ أقوى. بدلاً من مواجهة منتخبٍ واحدٍ من التصنيف الأوّل، سيلعب مع منتخبين، وثالث لم يأتِ تأهّله بفعل الحظ. ستصبح المهمّة معقدّة وصعبة، وغالباً، لن ينجح في تحقيق إنجازٍ تاريخي بالتأهّل إلى المونديال. الحظ، إن وُجد، لا يُؤهّل منتخباً إلى المحفل العالمي الأكبر وهو يستعد له قبل أقل من ثلاثة أشهر. من بعد الإخفاق قد يبقى المدرب، وإن لم يفعل، سيأتي سعيد الحظ، الذي سيجد أن بطولة كأس العالم باتت تضم 48 منتخباً بدلاً من 32، وفرص تحقيق إنجازٍ غير مسبوق صارت أعلى، لكن المنتخب لا يملك ملعباً خاصّاً، وهو تسلّم القيادة قبل فترة قصيرة على انطلاق التصفيات، والتحضيرات لم تكن مثالية، واللقاءات الوديّة التي طلبها لم تُوفّر له، وهكذا ودواليك، «تُعزف السيمفونيّة».
كل الأطراف مُحقّة، طالما أن الاتحاد لم يختر مدرباً باسمٍ مهم وسيرةٍ ذاتيةٍ ناجحة، «سيُرجم» بديل رادولوفيتش. لكن هل هذا هو الواقع فعلاً؟ هل سيصبح المنتخب اللبناني أقوى منتخبات القارة بتغيير المدرب؟ سيكون من الظلم أن يُقيّم تشيوبوتاريو قبل أن يقود فريقه الجديد في بعض المباريات. ثيو بوكير لم يكن أحد أهم المدربين في العالم مثلاً، لكن نجح. رادولوفيتش نجح في شيءٍ وأخفق في آخر، لكن النجاح رافقه في نهاية المطاف. الاسم لم يعد مُهمّاً في الجهاز الفني للمنتخب. الأهم هو وضع خطّة استراتيجية، أقلّه لمعرفة ما الذي نريده؟ الوصول إلى المونديال القطري؟ أم العمل على ترفيع لاعبين شباب إلى المنتخب الأوّل، لمحاولة تحقيق إنجازٍ بالتأهّل إلى كأس العالم 2026؟ بلوغ كأس آسيا أم الوصول إلى أدوارٍ متقدّمة؟
قصّة تتويج المنتخب القطري بلقب البطولة الآسيوية قبل أشهر كانت مُلهمة، ومن المفترض، أن يتعلّم المسؤولون عن المنتخبات الوطنية منها، وإدراك أن النجاح يحتاج إلى سنواتٍ من العمل، وإذا كان الوقت قد فات لـ2022 والإمكانات غير متوفرّة، فهو لا يزال طويلاً نحو 2026.