لم تعد «هوتة سلوك» في أواخر عام 2012 معلماً جغرافياً أو مشروعاً سياحياً في خطط الحكومة السورية، بل حولها مسلحو «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» إلى مقبرة يلقون فيها جثامين جنود الجيش السوري. و«الهوتة» هي حفرة كبيرة في الأرض لا يُعرف عمقها، تكونت بفعل عوامل طبيعية. وتقع في ريف محافظة الرقة الشمالي (65 كلم عن مركز المدينة)، وتحديداً قرب بلدة «سلوك» التي كانت المعقل الرئيس لـ«جبهة النصرة» في محافظة الرقة قبل سيطرة تنظيم «داعش» عليها.
جغرافياً تمتاز «هوتة سلوك» عن مثيلاتها بشكل تضاريسها المميز، مما جعلها مقصداً للزائرين والرحالة الاتين من مختلف دول العالم، إلا أن جوفها بقي معلماً مجهولاً لم يتمكن أحد من استكشافه. ومن كانوا يقعون فيها بالخطأ لا يظهر لهم أي أثر. يروي الرحالة إبراهيم الأحمد لـ«الأخبار»: «تشكلت هوتة سلوك كما تُعرف محلياً، بسبب انهدامات جوفية في التربة ناتجة عن حتّ مياه سطحية جارية وهبوط التربة وليست هي الوحيدة في بادية محافظة الرقة لكنها الأكبر والأخطر ولا شبيه لها من حيث العمق والاتساع والشكل وجمال التضاريس».
خرجت بلدة «سلوك» عن سيطرة الدولة السورية، وأصبحت مركزاً لقيادة عمليات عسكرية لضرب بقية مناطق وحواجز الجيش السوري في محافظة الرقة، وكثرت عمليات خطف مجندين أو قتلهم على الطرقات.
يقول ناشط في مجال الإغاثة والعمل الإنساني: «بدأت كتائب مسلحة بتنفيذ عمليات عسكرية عدة استهدفت حواجز الجيش السوري، كان أبرزها عملية حاجز بئر عاشق الذي يمتاز بتحصيناته القوية، إلا أن كتائب الجيش الحر تمكنت منه وقضت على جميع عناصره الذين رفضوا الانشقاق أو الاستسلام، ويبلغ عددهم نحو عشرين عسكرياً». ويتابع: «بعد القضاء على عناصر الحاجز جرى تصوير جثثهم وهي ملقاة الأرض ونشرها على موقع يوتيوب، وبقيت الجثث نحو ثلاثة أيام قبل أن يجري التخلص منها ورميها في الهوتة، أثار هذا الأمر حفيظة معظم الأهالي الذين حاولوا دفن الجثث بعد توثيق الأسماء ليتسنى للأهالي معرفة مصير أبنائهم، إلا أن قرار الحسم كان لمن يحمل السلاح». دبَّ الرعب في نفوس سكان المنطقة، وأضحت القصص التي حاكوها حول «الهوتة» و«السعلوة» التي تسكنها وتأكل البشر ممن يقتربون للنظر في جوف الحفرة حقيقة، تجلت بإلقاء جثث جنود الجيش السوري فيها، ورفض تسليمهم إلى أهاليهم أو دفنهم بحسب الشرائع السماوية. لا يستطيع أي إنسان أن يبدي اعتراضه على هذه الأفعال كي لا يلقى المصير ذاته.

«عصر النهضة»

انتصر تنظيم «الدولة الإسلامية» على فصائل «الحر» و«النصرة»، وأعلن محافظة الرقة أولى الولايات الإسلامية ضمن مشروعه الكبير بإقامة «دولة إسلامية». تمكن التنظيم من أسر عدد كبير من مسلحي هذه الفصائل، وبعد اعتقالهم والتحقيق معهم صدرت أحكام شرعية بإعدام بعضهم وإلقاء بعضهم الآخر في جوف «الهوتة» وهم أحياء. بعض من ألقاهم التنظيم في الهوتة، كانوا يلقون جثث عسكريي الجيش السوري. يروي أبو قتادة الأنصاري لـ«الأخبار»، وهو أحد عناصر التنظيم في الرقة: «كل من يرفض الانضواء تحت راية الإسلام مصيره الموت، ومهما اختلفت الطرق تبقى النتيجة واحدة، أولئك الذين ألقيت جثثهم في هوتة سلوك حصدوا ما زرعوه ووجب أن يلقوا هذا المصير ليكونوا عبرة لغيرهم ممن قد تسول لهم أنفسهم الارتداد عن دين الإسلام، واتباع أرباب الكفر». ألقيت على مدار عامين نحو ألفي جثة إضافة إلى بعض الأحياء الذين رُموا أحياء وتركوا ليلقوا حتفهم. لاحظ سكان المنطقة بعد مدة أن مئات الطيور الكاسرة انتشرت حول الهوتة، وبدأت روائح كريهة تخرج من جوف الحفرة. حينها، أفرغ مسلحو «داعش» صهريجاً من النفط الخام في الحفرة واضرموا النار فيها حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة في المناطق المجاورة.
ستبقى «هوتة سلوك» شاهداً حياً على جرائم ارتكبت ضد الإنسانية لم تسجلها المنظمات الدولية المعنية بتوثيق جرائم الحرب.