أنهى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، زيارة خاطفة لتل أبيب، وُصفت إسرائيلياً بـ«الاستراتيجية». الزيارة التي خصصت لبحث الشأن السوري، تحمل أكثر من دلالة وربما أكثر من تفسير وتأويل، خاصة أنها ذات معان ودلالات سياسية - عسكرية، و«استدراج عروض» لترتيبات طموحة للجنوب السوري، مع اقتراب إنهاء المرحلة العسكرية في الحرب السورية جنوباً.التسريبات الإسرائيلية حول الزيارة و«العروض الروسية» التي تخللتها، كما وردت في الإعلام العبري أمس، ربما جاءت أسرع من الزيارة الخاطفة نفسها، التي تأتي بدورها في سياق حراك كبير جداً تشهده المنطقة، على وقع الأيام الأخيرة لإنهاء القتال العسكري المباشر في الجنوب السوري وبسط سيادة الدولة حتى أقصى الحدود في الجولان، دون القدرة على إبعاد الزيارة وتوقيتها وربما مداولاتها، عن القمة المرتقبة في طهران حول سوريا، بمشاركة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.
الزيارة تعد إحدى حلقات الجهود الروسية المفعلة أخيراً، وبوتيرة مرتفعة في الأسبوعين الأخيرين. واضح أن الوفود الروسية باتت شبه مستقرة في تل أبيب للبحث في ترتيبات ما بعد إنهاء القتال في الجنوب السوري الذي يبدو في مراحله الأخيرة. من ضمن الوفود، زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتیف، ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، وهي الزيارة التي شهدت تأكيدات من قبل المسؤولين الإسرائيليين، حول اللاءات المتكررة للساحة السورية، ومن بينها «التمركز الإيراني» في سوريا، الأمر الذي تجد موسكو صعوبة في تحقيقه، حتى وإن أرادت ذلك.
الواضح أن الجهد الروسي يسعى إلى تحقيق هدف الاستقرار الأمني في سوريا، ومنع اصطدام الإرادات والمصالح بين الدولة السورية وحلفائها، وفي مقدمتهم الإيرانيون وحزب الله، وبين تل أبيب التي تسعى إلى فرض مصالحها بحدودها الواسعة والطموحة للساحة السورية، عبر الضغط على الجانب الروسي تحديداً، وتهديد منجزاته.
واضح أن موسكو تجهد بين حدَّين، وبين خطوط حمر متناقضة يفرضها المحوران المتواجهان، دون القدرة الفعلية للتعذر، على الفرض والضغط على الحلفاء، ودون القدرة الفعلية على تجاهل الضغوط والتهديدات الإسرائيلية المقابلة. الإرادة الروسية للسعي وبلورة حلول وقواعد اشتباك بين الحدين، تفسّر جملة الاتفاقات المعقودة أخيراً بينها وتل أبيب، مع/ أو من دون القدرة على تنفيذها ميدانياً، بمعنى الفشل، وإن جرى الاختلاف حول وصف هذا الفشل بين الأطراف المختلفة، بحسب مواقعها ومصالحها.
وكما يبدو من تسريبات أمس، التي أعقبت زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف والوفد المرافق له (على رأسه رئيس الأركان فاليري غيراسيموف)، حرصت إسرائيل عبر مصادرها «السياسية الرفيعة» على تأكيد عرض روسي جديد، بإخراج القوات الإيرانية من الجنوب السوري، لمسافة مئة كيلومتر من الحدود في الجولان. المصدر السياسي الإسرائيلي أكد رفض تل أبيب لهذا العرض، بمعنى أن إسرائيل تطمح إلى أكثر من ذلك بإخراج الإيرانيين من كل الجغرافيا السورية دون استثناء، مع التشديد أيضاً على ضرورة إخراج السلاح الثقيل للمديات البعيدة. وبحسب التعليق الإسرائيلي، لا معنى ولا فائدة من إبعاد الإيرانيين عن الحدود، في ظل قدرة الوسائل القتالية الموجودة في حوزتهم التي تصل مداها إلى مئات الكيلومترات، في حين أن الجانب الروسي، الذي يسعى إلى إيجاد حلول إبداعية «تسووية»، لم يلتزم إلى الآن أيّاً مما تعهد به أمام الإسرائيليين، حول الوجود الإيراني وحلفائه في سوريا.
إذا صحّت التسريبات الإسرائيلية حول العرض الروسي الجديد، فإنه يثير بدوره جملة تساؤلات عمّا يشمله من التزامات إسرائيلية مقابلة، وثمن لأصل «إبعاد» الإيرانيين وحلفائهم مئة كيلومتر عن الحدود: هل تلتزم إسرائيل في المقابل الامتناع عن توجيه ضربات في سوريا؟ وهو تساؤل مبني في الأساس على جملة معطيات تتعلق بالقدرة الروسية الفعلية على تسليك اتفاقات مع حلفائها، وتحديداً الدولة السورية، ما لم يكن في حوزتها التزامات إسرائيلية من شأنها أن تغيّر من ثبات موقف الدولة السورية الرافض لالتزامات بلا مقابل، جدية ومجدية. علماً أنه يكاد يكون من المسلّم فيه مجرد التزام الامتناع عن توجيه الضربات قد لا يكفي بذاته وإن كان جزءاً متصوراً من التزام أكبر بكثير.
على ذلك، بات بالإمكان فهم العرض الروسي، إن صحت التسريبات الإسرائيلية. كما بات بالإمكان فهم الرفض الإسرائيلي المقابل، حسب التسريبات نفسها. وهو بدوره يشير إلى أن إسرائيل ما زالت إلى الآن رغم خسارتها كل رهاناتها في سوريا، تصرّ نتيجة مكابرة على تحقيق مصالح يتعذر عليها تحقيقها بقدراتها الذاتية، وإن كانت تراهن في المقابل على الضغط الروسي الذي ثبت إلى الآن تقلص حدود القدرة على فرض إرادته تجاه حلفائه، إن كان يريد فعلاً، فرض هذه الإرادة.
على ذلك أيضاً، بات بالإمكان فهم ما أشار إليه مصدر سياسي إسرائيلي وصف بالرفيع جداً، حول مطالب إسرائيل وشروطها، التي عرضت أمام الوفد الروسي أمس، رداً على عرض «الحزام الأمني» لمسافة مئة كيلومتر من الحدود، كما أشارت التسريبات، نقلاً عن الروس. بحسب المصدر، طالبت إسرائيل بمنع تمركز إيران وحزب الله في حدود الجولان، وبإخراجهما من كل سوريا، وطالبت أيضاً بإخراج السلاح البعيد المدى من الأراضي السورية، وإبعاد السلاح القصير المدى من منطقة الحدود في الجانب السوري. وفي مطلب طموح جداً، طالبت إسرائيل بإغلاق المنافذ الحدودية بين سوريا ولبنان، وبين سوريا والعراق، لمنع تهريب السلاح الإيراني المتطور عبر العراق إلى سوريا ولبنان.