في اليوم الأول من وقف إطلاق النار في إدلب، شهدت خطوط التماس التزاماً شبه كامل بالتهدئة، فيما خلت سماء المنطقة من أيّ تحليق لطائرات حربية أو مسيّرة، توازياً مع تسيير القوات الروسية والتركية دورية أولى قرب مدينة سراقب. في هذا الوقت، تتالت المواقف الدولية المُرحّبة بالاتفاق الأخير بين موسكو وأنقرة، في ظلّ تشكيك في الوقت نفسه في قدرته على الصمود، على رغم اعتبار الجانبين السوري والروسي أن الاتفاق «يمكن أن يساعد في تهيئة الأجواء لإعادة إطلاق العملية السياسية»، وفق ما تمّ التأكيد أمس في المباحثات الهاتفية بين الرئيس السوري بشار الأسد، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وفيما هنّأ بوتين الأسد بالإنجازات المتحقّقة أخيراً، مطلِعاً إياه على فحو المباحثات مع أنقرة، عبّر الأسد عن ارتياحه لما أنجزته موسكو، و«ما يمكن أن يحمله من انعكاسات على الشعب السوري... في حال التزام الجانب التركي به».
غابت الطائرات الحربية الروسية والسورية، بالإضافة إلى المسيّرات التركية، عن سماء منطقة إدلب أمس، فيما شهدت خطوط التماس كافة هدوءاً حذراً، تخلّلته خروقات بسيطة في الساعات الأولى، عقب دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ منتصف ليل الخميس - الجمعة. الهدوء الميداني انسحب أيضاً على المواقف الدولية، إذ رحّبت الأمم المتحدة وبعض العواصم الغربية بالاتفاق الروسي - التركي، الذي تظلّ الشكوك قائمة في قدرته على الصمود لفترة طويلة، وخصوصاً أنه لم يعالج مسائل أساسية تتعلّق بالتنظيمات الإرهابية، وأزمة النازحين، والسيطرة على أجواء إدلب.
وفي اليوم الأول من وقف إطلاق النار، سيّرت الشرطة العسكرية الروسية مع القوات التركية دوريات مشتركة بالقرب من مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، على طريق حلب - اللاذقية الدولي (M4)، فيما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» بأن «الهدوء ساد محاور العمليات»، مؤكدة في الوقت نفسه أن «وحدات الجيش جاهزة للردّ بقوة على أيّ محاولة خرق من قِبَل التنظيمات الإرهابية». من جهتها، شدّدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحافي، على ضرورة «القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا، وموقفنا ثابت حيال ذلك»، مشيرة إلى أن «اتفاق وقف الأعمال القتالية في إدلب يجدّد التأكيد على مواصلة محاربة الإرهاب بكلّ أشكاله»، مؤكدة أن «لسوريا كامل الحق في القضاء على التنظيمات الإرهابية على أراضيها».
بومبيو: تركيا تمتلك حقاً كاملاً في حماية مصالحها في الأراضي السورية


في المقابل، نقل مكتب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عنه قوله إن «مراكز المراقبة العسكرية التركية في إدلب السورية ستحتفظ بوضعها الحالي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار» الذي أبرمته أنقرة مع روسيا. كما نقل عنه أن «الاتفاق وضع الأساس لإعادة الأوضاع في المنطقة إلى طبيعتها». واعتبر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، من جانبه، أن تركيا «تمتلك حقاً كاملاً في حماية مصالحها في الأراضي السورية، بالنظر إلى ما يفعله هناك كلّ من (الرئيس السوري بشار) الأسد وروسيا وإيران»، لافتاً إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب «تدرس حالياً خيارات لدعم تركيا في سوريا»، في ظلّ تقارير حول توجيه أنقرة إلى واشنطن طلباً للمساعدة. لكن الرئيس التركي كان قد قال، في وقت سابق أمس، إنه «كان بوسع الولايات المتحدة إرسال دعم عسكري إلى تركيا من أجل إدلب لو أنه لم يتمّ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار يوم الخميس، لكن لم يتمّ إرسال أيّ دعم بعد»، مكرّراً أن تركيا «ستقوم الشهر المقبل بتفعيل أنظمة الدفاع الروسية إس-400 التي اشترتها من موسكو على رغم احتجاج واشنطن»، مضيفاً أنه «طلب أيضاً شراء أنظمة باتريوت الأميركية».
من ناحية أخرى، أعلنت الرئاسة التركية أن الاتفاق المبرم بين أنقرة وموسكو لا يقضي بتراجع تركيا عن قرارها فتح الحدود أمام المهاجرين الراغبين في التوجّه إلى الاتحاد الأوروبي، مشدّدة على أن هذا الاتفاق «لا يغيّر حقيقة عدم إيفاء الاتحاد الأوروبي بوعوده»، في إطار اتفاق الهجرة المبرم بين أنقرة وبروكسل عام 2016. واعتبر مصدر في الرئاسة التركية أن «السياسة الخارجية التركية حقّقت نجاحاً جديداً بما يتماشى مع المصالح القومية للبلاد»، موضحاً «(أننا) حافظنا من جانب على مصالحنا الوطنية من خلال إيقاف موجات هجرة غير نظامية جديدة آتية من سوريا، ومن جانب آخر جعلنا دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تساندنا». ولفت المصدر إلى أن اتفاق موسكو «لا يشكل عائقاً أمام دعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتركيا»، داعياً إلى اتخاذ «خطوات في سبيل زيادة الثقة، بما فيها نشر أنظمة دفاعية وتطوير التعاون الاستخباراتي بين أنقرة والغرب». وحذّر المصدر من أن «أكثر من ثلاثة ملايين مدني لا يزالون موجودين في إدلب، ولذلك لا يزال خطر هجرتهم غير الشرعية نحو تركيا مستمراً».
بدوره، أمل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن يؤدّي الاتّفاق إلى «وقف فوري ودائم للعمليات القتالية، بعدما تَحمّل السكان معاناة هائلة». ورحّب «برنامج الأغذية العالمي» كذلك بالاتفاق، منتقداً في الوقت نفسه عدم تضمّنه إرساء «منطقة آمنة للنازحين المدنيين». في المقابل، رأت الرئاسة الفرنسية أن «توافق الروس والأتراك حول إدلب لم يترسّخ جيداً بعد»، واصفة ترتيبات الطرفين «حول المسائل الإنسانية والسياسية» بأنها «غير واضحة».