منذ إصدار الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، قراراً بإقالة رئيس حكومته أحمد عبيد بن دغر، وتعيين معين عبد الملك بدلاً منه، بدا أن «التحالف» يهيّئ لمرحلة جديدة في المحافظات الجنوبية، عنوانها ترتيب أوراق المتنازعين هناك، وإعادة كسب الرأي العام الجنوبي بعدما تصاعد أخيراً المزاج الشعبي المناوئ لـ«التحالف». ولئن جاء قرار إطاحة بن دغر مدفوعاً بتطورات قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلا أن ما أعقبه ظهر متصلاً كذلك باحتمال اضطرار السعوديين والإماراتيين ــــ بدفع أميركي ــــ إلى الجلوس إلى مائدة التفاوض، وهو ما يحتّم عليهم تجهيز عدّتهم التفاوضية، الفقيرة أصلاً. في الـ29 من الشهر الماضي، وقبيل وصول حكومة عبد الملك إلى مدينة عدن بيوم واحد، دشّن السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، مشروع المنحة النفطية السعودية لمحطات كهرباء عدن والمحافظات المجاورة، واعداً بـ«خطوات قادمة بالتنسيق مع الحكومة اليمنية». وفي اليوم التالي، وصل عبد الملك إلى عدن، تزامناً مع وصول وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتي ريم الهاشمي إليها. وفي أعقاب لقاء بين الجانبين، أعلن الوفد الإماراتي أن بلاده «ستقدم كافة الإمكانيات للحكومة في سبيل تحقيق التنمية المحلية وإعادة الإعمار»، إضافة إلى «معالجة الوضعين الاقتصادي والإنساني، وتطبيع الأوضاع الأمنية». موقف بدا مختلفاً جذرياً عمّا تمّ التعامل به مع حكومة بن دغر، التي تُوجّه اتهامات إلى الإمارات بأنها تعمّدت إفشالها. وقابل فتحَ أبواب المحافظات الجنوبية أمام «الشرعية»، تجميد لخطوات «المجلس الانتقالي» (الموالي لأبو ظبي) الذي كان توعّد بالسيطرة على المؤسسات الإيرادية كافة، قبل أن يتراجع عن خطّته منتصف الشهر الماضي.
هذه «التسوية» تمثّل، في حقيقتها، تجاوزاً للأهداف التي كان يسعى إليها الطرفان. فـ«الانتقالي» يرى أنه الممثل الوحيد للجنوب، وأنه يستمدّ شرعيته من حضوره الجماهيري وأذرعه العسكرية. وهو سبق أن أعلن «خارطة طريق» تبدأ بالسيطرة على المؤسسات، وتنتهي بتشكيل حكومة جنوبية. أما حكومة هادي فترى أنها السلطة «الشرعية» المخوّلة إدارة المناطق «المحررة»، ومواجهة «أنصار الله» عسكرياً وسياسياً. لكن «التحالف» حجّم تلك الأهداف، وعيّن عبد الملك على رأس الحكومة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية فقط، وتحت إشراف مباشر من السفير السعودي، فيما ترك القضايا العسكرية والسياسية للرئاسة، في مؤشر إلى أن «التحالف» أوجد صيغة مؤقتة لإدارة الأزمة، إلى حين الاتفاق السياسي الذي من المفترض أن تبدأ المشاورات على بنوده الشهر الجاري في السويد، بحسب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث. وما يعزّز تلك الفرضية تصاعد المطالبات الدولية بوقف الحرب خلال 30 يوماً، وفق ما دعت إليه الولايات المتحدة، وأيّدته فرنسا وبريطانيا.
جدّد أهالي المهرة رفضهم مشروع أنبوب النفط السعودي إلى بحر العرب


في هذا الإطار، تشهد الساحة الجنوبية سباقاً بين مكوّنات «الحراك الجنوبي» و«المجلس الانتقالي»، لحجز مقعد في قطار المفاوضات. وفي سبيل ذلك، وخلافاً لما تمسّك به دائماً من احتكار تمثيل الجنوبيين، بدأ «الانتقالي» أخيراً خطوات على طريق الحوار مع بقية المكونات. وهي خطوات لا يبدو أنها خارج إرادة أبو ظبي، خصوصاً أن «المجلس» تراجعت شعبيته لصالح قوى «الحراك» التي ترفض التبعية والارتهان للخارج. والظاهر أن «الانتقالي» يستهدف، من وراء ذلك، الالتفاف على منافسيه، وتجيير قوّتهم لصالحه بهدف تعزيز موقعه وإثبات أهليته للانضمام إلى المتفاوِضين. لكن معظم أولئك المنافسين رفضوا الحوار مع «الانتقالي»، واعتبروا الأخير الوجه الآخر لـ«الشرعية»، ومُمثّلاً لمصالح «التحالف». وبحسب القيادي في حركة «تاج الجنوب العربي» الخضر الجعري، فإن «دعوة الانتقالي جاءت لذرّ الرماد في العيون، ولا تستند إلى قرار جنوبي محض، بل تأتي بإرادة خارجية بهدف إرباك الشارع الجنوبي والتشويش عليه». ورأى الجعري، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الهدف من تلك الدعوات التسابق في ادعاء التمثيل، واللهث وراء إغراءات المال والمناصب والحنين للسلطة، بعيداً عن طموحات شعب الجنوب».
في خضمّ ذلك، تُطرح تساؤلات حول مصير التحركات الشعبية المضادة لـ«التحالف»، والتي انطلقت في المحافظات الجنوبية والشرقية منذ أشهر، وتصدّرتها مكوّنات من «الحراك الجنوبي» وشخصيات قبلية وسياسية. قياديون جنوبيون يرون أن «التهدئة» التي أرساها «التحالف» ستقوّي «الطرف الثالت المتمثّل في مكوّنات الحراك الجنوبي والقوى الوطنية لملء الفراغ، وبالتالي مقارعة التحالف في ما يتعلق بالسيادة والاستقلال»، مشددين على أن «القضية لا تتعلّق بالخدمات بقدر ما تتعلّق بالوجود الأجنبي في الجنوب». ولعلّ ما يؤكد صحة ذلك التقدير هو عودة التظاهرات بزخم كبير إلى محافظة المهرة، بعد ما يقارب أسبوعين على زيارة عبد الملك لها وتعهّده بإطلاق ورشة إعادة الإعمار هناك. وشهدت مدينة الغيضة، مركز المحافظة، أمس، تظاهرة حاشدة، أكد المشاركون فيها «استمرار الاحتجاجات السلمية حتى تنفيذ كامل المطالب»، واصفين رئيس الحكومة الجديد بأنه «أحد العاملين تحت عباءة السفير السعودي، ومهمّته ليست أكثر من تلميع التدخلات السعودية». وجدّدوا مطالبتهم برحيل القوات السعودية، جازمين أن «أنبوب النفط لن يعبر في أراضينا، ولن تقوم لكم أي مشاريع أو مطامع توسعية في محافظتنا».
وفي الإطار نفسه، دعت مكوّنات «الحراك الجنوبي» مجتمعة إلى تظاهرة في الـ30 من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي (ذكرى الاستقلال عن الاحتلال البريطاني) في مدينة خور مكسر في عدن. وقال الناطق الرسمي باسم «اللجنة التنظيمية للفعالية»، علي المسقعي، لـ«الأخبار»، إن «الهدف من الفعالية هو إخراج حشد جماهيري من كل مدن الجنوب في ذكرى الاستقلال، من أجل الضغط على التحالف، وأيضاً رسالة لوقف الحرب في اليمن»، لافتاً إلى أن «مكونات الحراك الجنوبي حريصة على أن لا يتصدّر المفاوضات المجلس الانتقالي، الذي لن يذهب بعيداً عما تطالب به الأحزاب اليمنية والتحالف». بدوره، أكد رئيس «التحالف القبلي» في محافظة أبين، الشيخ محمد سُكين، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الشارع مستمر في التظاهر حتى خروج الاحتلال السعودي الإماراتي من الجنوب، ولا نراهن على تسويات أو حلول جزئية أو ترقيعية»، مطالباً «التحالف بدفع ما عليه من تعويضات لملايين اليمنيين المتضرّرين، ومعالجة كافة أضرار الحرب، وإعادة الإعمار».