في إطار ما يُوصف بـ«الزيارة الاستكشافية»، حلّ مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، ضيفاً في تل أبيب. الزيارة التي تحمل في العلن جملة من العناوين التقليدية مِن مِثل الحديث عن «التهديد الإيراني والتعاون المشترك والشراكة الإقليمية ومتانة التحالف بين الجانبَين»، تبدو هذه المرّة مغايرة، بالنظر إلى التطوّرات الداخلية لدى أهمّ حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، والتي باتت تثير القلق على المصالح الأميركية، وعلى إسرائيل نفسها. على جدول أعمال الزيارة لقاءات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين: رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والرئيس يتسحاق هرتسوغ، ورئيس «مجلس الأمن القومي» تساحي هنغبي، ووزير الأمن يؤاف غلانت، ووزير الخارجية إيلي كوهين، إضافة إلى مسؤولين آخرين سياسيين وأمنيين، ولقاءات عديدة معلَنة وغير معلَنة. وممّا جرت الإشارة إليه، أن سوليفان سيناقش في تل أبيب التهديد الذي تمثّله إيران وحلفاؤها للدولة العبرية؛ والمساعدات العسكرية الإيرانية لروسيا في حربها على أوكرانيا؛ والوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة؛ وكذلك العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني من بوّابة الحرص على عدم «تخريب» حلّ الدولتين، فضلاً عن توسيع اتّفاقات التطبيع مع الدول العربية، مع التركيز على المملكة السعودية، بما يخدم المواجهة الجماعية في المنطقة ضدّ «التهديد الإيراني» المشترك.
بناءً على تلك العناوين، سيحرص سوليفان بوصفه أهمّ شخصية في الولايات المتحدة وأكثرها قرباً من القرارات الصادرة عن البيت الأبيض تزور إسرائيل، على أن يَنقل إلى الأخيرة التوصيات التي يُنتظر منها أن تنفّذها، وهي التالية:
- أن تحافظ تل أبيب على الهدوء في المنطقة، وأن تمتنع عمّا يتسبّب بالتصعيد فيها، خصوصاً في الساحات الفلسطينية على اختلافها، وهو ما يَفترض الامتناع عن أيّ إجراءات أو عمليات «غير مدروسة» تحمل في نتائجها إمكانات تصعيد، مِن مِثل الإضرار بالوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف.
- أن تحرص إسرائيل على «سلامة الحوكمة»، بما يعني أن يظلّ رأس السلطة التنفيذية هو صاحب القرار النهائي. إذ ثمّة خشية أميركية من الشخصيات والجهات المتطرفة جدّاً في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو ما جرى التعبير عنه مباشرة أو عبر تسريبات من البيت الأبيض وغيره من مراكز القرار في واشنطن. كما ثمّة قلق من تصاعد السجالات وعمليات التحريض والتخوين والتهديد بين المسؤولين الحاليين والسابقين وجماهير الأحزاب المختلفة، وهو ما يجيز التساؤل عمّا إذا كان نتنياهو هو صاحب القرار فعلاً، أم من يبتزّونه في الحكومة الجديدة؟
- أن لا تتسبّب إجراءات وقرارات الحكّام الجدد في الأراضي المحتلة، بأيّ خلل في الوضع الراهن من شأنه أن يدفع نحو تصعيد أمني، وأن تمتنع تل أبيب عمّا يؤدي إلى «تصعيب» استئناف العمل على «حلّ الدولتين» مستقبلاً، خصوصاً لناحية توسيع الاستيطان وعمليات الاستيلاء على الأراضي.
ترغب واشنطن من خلال زيارة سوليفان في تكوين صورة عمّا يجري في تل أبيب، وعمّا يمكن أن يَجري لاحقاً
في المقابل، تعرض الولايات المتحدة على إسرائيل، نوعاً من المكافأة لقاء ذلك، سيتّخذ الوجوه التالية:
- أن تحثّ أميركا الخطى في كلّ ما يتعلّق بكبح البرنامج النووي الإيراني، وأن تلتزم بشراكة كاملة في كل ما يتّصل بمواجهة التهديد الذي تمثّله إيران. وكذلك، أن تدفع في اتّجاه استكمال عمليات التطبيع مع الدول الخليجية، مع التركيز على السعودية، التي تمثّل أحد أهمّ الأهداف الإسرائيلية في المرحلة الحالية.
- أن تُجمّد أميركا كلّ «مسارات الإزعاج» التي تثيرها السلطة الفلسطينية في الخارج ضدّ إسرائيل، ومن بينها التوجّه إلى مجلس الأمن الدولي أو المحاكم الدولية. كما وأن تدفع السلطة إلى تعزيز «التنسيق الأمني» في الضفة، بما يكفل لإسرائيل إنهاء حركة المقاومة المثارة ضدّها في الأشهر الأخيرة.
بناءً عليه، تُطرح الأسئلة الآتية:
- هل سيتمكّن سوليفان، من فهم ما تمرّ به إسرائيل من صيرورات داخلية، ومن ثمّ البناء عليها في تقرير السياسات التي يجب دفعها قُدماً. بمعنى آخر، هل سيستطيع حماية الدولة العبرية من نفسها؟
- هل سيطمئنّ إلى أن صاحب الأمر والقرار ما زال هو نتنياهو نفسه، المشهود له بالعمل بما لا يخالف المصالح الأميركية؟ وماذا عن قدرة شركائه الذين يمسكون به من عنقه على عرقلة مهمّته؟
في المقابل، في سلّة الوعود الأميركية لنتنياهو، الكثير من العوائق التي لا يبدو أن أميركا معنيّة فعلاً بالعمل على تخطّيها:
- البرنامج النووي الإيراني وصل إلى حدّ لم يعُد بالإمكان فرملته إلّا عبر اتّفاق بات ميتاً، كما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، أو عبر حرب لا يريدها، ربطاً بما يجري في شمال أوروبا.
- ثمن التطبيع مع الجانب السعودي مرتفع، ويتعذّر التقدير بأن أميركا قادرة فعلاً على التغيير فيه. وهو ثمن لا يتعلق بإسرائيل، ولا بالقضية الفلسطينية بطبيعة الحال، بل بمطالب سعودية من الولايات المتحدة تعجز الأخيرة عن تلبيتها. فإذا كانت أميركا عاجزة عن فرْض إرادتها على السعودية على خلفية أجندتها الاقتصادية وحاجاتها ومصالحها الأمنية المباشرة، لتحقيق أهداف أكثر من استراتيجية في مواجهة حرب عالمية ضدّ عدوّها في أوروبا، فهل ستكون قادرة على دفع المملكة إلى التطبيع مع إسرائيل من دون ثمن؟
على أيّ حال، زيارة سوليفان هي زيارة استكشافية، ترغب واشنطن من خلالها في تكوين صورة عمّا يجري في تل أبيب، وعمّا يمكن أن يَجري لاحقاً. وهي جزء من «عدّة شغل» أميركية لمعرفة ما يجب وما لا يجب فعله لمنع إسرائيل من إيذاء نفسها. على أن كلّ ما سيصدر عنها لن يكون كافياً لتكوين تقدير ما، مع أرجحية معتدّ بها، لِما يمكن لواشنطن أن تقْدم عليه في الساحة الإسرائيلية، ناهيك عن تقدير ما ستكون عليه نتيجة هذا التدخّل، على رغم أن الزيارة ستكون مقدّمة من مقدمات بلورة الموقف الأميركي تجاه إسرائيل الجديدة.