هكذا بسحر ساحر، بدأ كنعان بتعداد التعديلات لعرضها على التصويت في الهيئة العامة، ثم تبعتها مناقشة لكل مادة على حدة. أما أبرز التعديلات فتوزّعت على ثلاث مسائل أساسية:
- توسيع رقعة المشمولين برفع السريّة المصرفية لتتضمن، إلى جانب الموظف العمومي المعيّن أو المنتخب، والبلديات والمخاتير والمرشحين إليها، أزواجهم وأولادهم القاصرين (اقتراح النائب علي حسن خليل)، والأشخاص المستعارين والمؤتمنين والأوصياء وأصحاب الحق الاقتصادي ورؤساء الجمعيات وأعضاء الهيئات الإدارية التي تتعاطى الشأن السياسي (اقتراح النائبة بولا يعقوبيان). كما طالب خليل بإضافة هيئات المجتمع المدني والاجتماعي. بدوره، أضاف النائب علي فياض رؤساء إدارات المصارف ومجالس إدارتها. فيما طالبت النائبة حليمة قعقور بإضافة مدقّقي حسابات المصارف الحاليين والسابقين والموظفين وأيضاً أصحاب الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة وأعضاء مجالس الإدارة وغيرهم. جرى التصويت بالإيجاب على كل هذه المطالب التي تتطابق مع مطالب رئيس الجمهورية، على أنه لا يمكن الجزم بأن جميعها سترد في النسخة المعدّلة إلا بعد صدورها خطياً. كذلك أُقرّ شمول هؤلاء بالمفعول الرجعي، وطلب النائب مروان حمادة تغيير الموعد من 22 تشرين الأول 1989 كما سبق للرئيس عون أن أورده، إلى 23 أيلول 1988 أي موعد تسلم عون الحكومة الانتقالية.
- رغم إصرار لجنة المال على تجاهل ملاحظات الرئيس بشأن منح النيابات العامة صلاحية في رفع السرية المصرفية، إلا أنه بدا لافتاً إصرار نواب «التغيير» على التقيد بملاحظات عون أكثر من العونيين أنفسهم. فجرى تعديل العبارة التي تتحدث عن الجهات القضائية التي يحقّ لها طلب رفع السرية لتصبح: «القضاء المختص في جرائم الفساد»، بدلاً من: «القضاء المختص في دعاوى التحقيق المتعلقة بجرائم الفساد». هذا التعديل يفتح مجال رفع السرية المصرفية، لكل الجهات القضائية بما فيها النيابات العامة وليس حصرها بقضاة التحقيق. وهنا طالب النائب حسن فضل الله بإضافة عبارة «والجرائم الواقعة على الأموال العامة»، من دون أن يعرف إذا أُخذ طلبه بالاعتبار.
- توسيع صلاحية طلب الإدارة الضريبية رفع السرية المصرفية بما يتجاوز مكافحة التهرب الضريبي ليشمل «الالتزام الضريبي والتدقيق»، وذلك بطلب من الصندوق.
- منح لجنة الرقابة على المصارف ومؤسسة ضمان الودائع ومصرف لبنان صلاحية طلب رفع السرية المصرفية في ما يتجاوز إعادة هيكلة المصارف (كانت لجنة المال قد ربطت طلب هذه الجهات بإعادة الهيكلة فقط)، لتشمل «ممارسة دورها الرقابي عليها». وهذا أيضاً أحد مطالب عون وصندوق النقد التي تجاهلتها لجنة المال. وبشكل لافت، أصرّ كنعان أمس، على تنظيم آلية المرجعيات أو آلية العمل عبر مرسوم تطبيقي يصدر عن مجلس الوزراء في ما خص هذه المادة فقط. لكن لم يؤخذ بإشارة النائب علي فياض إلى إمكانية صدور هذه الآليات بمرسوم عادي لا سيما للإسراع في تطبيق مواد هذا القانون من دون التحجّج بأي عوائق. وأضيف إليها حقّ المستهدف بالاعتراض لدى قاضي الأمور المستعجلة خلال 8 أيام.
كان مسؤولو الصندوق على اتصال مباشر مع كنعان لتأكيد رفضهم للصيغة التي أقرّتها لجنة المال
- النقاش الأكبر تمحور حول الاستجابة لطلب صندوق النقد بالكشف عن الحسابات بالأسماء وليس فقط عبر الأرقام. كان واضحاً استشراس كل من كنعان والنائب جورج عدوان للحؤول دون تحقيق هذا الطلب بحجة حماية الداتا الخاصة بالمودعين. وقد انضم إليهما النائب ميشال معوض في مقابل رأي مخالف لكل من النواب علي فياض وحسن فضل الله وإبراهيم منيمنة وفراس حمدان، ومداخلة من نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي يقول فيها إن ثمة حاجة لرفع السرية عن الأسماء لتوزيع الخسائر وهيكلة القطاع المصرفي مستقبلاً وإلا سيخلق الأمر مشكلاً جديداً مع صندوق النقد. وعند طلب كل من منيمنة وحمدان من الشامي شرح هذا الموضوع بشكل أكبر وتفسير الحاجة إليه، كان الشامي يتحدث بصوت خافت وبطريقة مرتبكة، ما أتاح الفرصة لعدوان لإسكاته وإجلاسه. تلت ذلك مداخلة لكنعان أوضح فيها أن السرية سترفع عن كل الأسماء باستثناء مجموعة الحسابات التي ستخضع لإعادة الهيكلة. وأكد أن رأي غالبية النواب في لجنته كان بالتصويت على عدم إيراد الأسماء. ليقول بعدها إن الصندوق طالب بكشف الأسماء إنما الهيئة العامة لم تأخذ بمطلبه، لكن الواقع أن هذا الإجراء لم يُطرح على التصويت في الهيئة أمس، ولا بد أن ثمة غالبية تعارضه باستثناء صراخ كنعان وعدوان لرفضه فقط لا غير.