في إطار محاولاته الرامية إلى إحكام السيطرة على كلّ مناحي الحياة في القدس عموماً، والبلدة القديمة خصوصاً، وبعد سيطرته على آثارها تحت الأرض وخلق ما يُعرف بـ«القدس التحتى»، يستمرّ العدو الإسرائيلي، بأذرعه المختلفة، في السعي إلى تهويد المنطقة الممتدّة من وادي قدرون إلى جبل الزيتون ثمّ البلدة القديمة، ضمن مخطّط «الحوض التاريخي» التوراتي. وآخر فصول ذلك محاولة السيطرة على باب العَمود أو بوّابة رمضان؛ أهمّ أبواب البلدة القديمة وأكبرها.على هذه الخلفية، تشنّ شرطة العدو، بمساعدة المستوطنين، منذ بداية شهر رمضان، حملة مسعورة ضدّ الفلسطينيين، تستهدف إفراغ المسجد الأقصى من المصلّين بُعيد صلاة العشاء مباشرة، ومنع أي تجمّع في مدرّجات باب العَمود. وهو ما يقابَل بردّ فعل شرس من قِبَل الفلسطينيين الذين أخذوا على عاتقهم إحباط المساعي الإسرائيلية، مهما كلّف الأمر. استخدم هؤلاء الشبّان الحجارة والمفرقعات النارية وقبضات أيديهم لمواجهة عنف الشرطة، ما أدى إلى إصابة المئات واعتقال العشرات، إلى أن وصلت المواجهات إلى ذروتها ليلة أوّل من أمس، حيث نجح الفلسطينيون في منع المستوطنين من الوصول إلى ساحة باب العَمود أو «استعادتها» كما أعلن هؤلاء. أمّا بالنسبة إلى «استعادة الشرف والفخر اليهودي»، فقد قدّمت قبضات الشباب المقدسي «جرعة مكثفة واستثنائية من الإذلال» للمستوطنين، على حدّ تعبير الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص.
ويشير ابحيص إلى أن حضور منظّمة «ليهافا» الإرهابية من أجل مساعدة الشرطة، التي لم تتمكّن من حسم مصير باب العَمود، تحوّل إلى «عبء اضطُرت معه الشرطة إلى استقدام فرق الخيّالة لتفريق المستوطنين عند باب الجديد، حيث كانوا يتجمهرون». وبعد تراجع الحشد، حاول المستوطنون العودة، غير أن «الفلسطينيين كانوا لهم بالمرصاد»، لتصل الاشتباكات للمرّة الأولى منذ خمس سنوات إلى حيّ الشيخ جراح، أحد أكبر الأحياء المهدّدة بالهدم والإخلاء في القدس. أكثر من ذلك، بعدما فشلت شرطة الاحتلال في منع الاحتشاد على رغم التعزيزات الأمنية، انتقلت إلى محيط باب حطة، الذي أغلقته قبيل صلاة الفجر، في محاولة منها لتسجيل إنجاز بعد كلّ هذا الفشل، ولكن مسعاها الأخير فشل أيضاً، بعد إصرار المصلّين على كسر الحواجز الحديدية، ودخولهم أخيراً بالتكبير والهتاف.
وفي السياق، يعتبر ابحيص أن «النجدة التي أرسلتها أمّ الفحم إلى الأقصى عند صلاة الفجر عقب تظاهرها هي الأخرى في الليلة نفسها، كان لها أثر بالغ في كسر حاجز باب حطة وتشديدات الأقصى، إذ إنهم منعوا استفراد العدو بشباب القدس وشكّلوا رافداً بشرياً ومعنوياً في اللحظة المناسبة». ولذلك دلالات مهمّة، أبرزها أن الفلسطينيين الذين تظاهروا في أمّ الفحم احتجاجاً على تفشّي العنف والجريمة وتواطؤ الشرطة، يدركون أن القضية التي يتظاهرون لأجلها هي قضية وطنية لا تنفصل عمّا يحصل من اعتداءات على إخوانهم في القدس، أو أنها يمكن أن تشغلهم عما يحصل هناك.
ما حصل يؤكد أن المحتلّ عاجز أمام الإرادة الجماهيرية


ما حصل أيضاً، بحسب الباحث في شؤون القدس، يقود إلى نتيجة مفادها أن ما تحقّق على مدى الأيام العشرة الماضية، يؤكد أن «المحتلّ عاجز أمام الإرادة الجماهيرية، وأنه لا بدّ من مواصلة فتح ساحة باب العَمود من دون شروط». ويرى أنه في حال «حضرت هذه العزيمة في الأقصى ومن حوله صباح الإثنين في 28 رمضان، فلن يتمكّن الصهاينة المتطرّفون من اقتحام الأقصى وأداء الطقوس التوراتية الجماعية كما يخطّطون، وسيكون يوماً جديداً من أيام عزّ القدس وأهلها، وهذا يجب أن يكون الهدف التالي بعد فتح ساحة باب العَمود».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا