بعد عشر ليالٍ من المواجهات في مدينة القدس المحتلة بين الفلسطينيين وشرطة العدو الإسرائيلي ومستوطنيه، يمكن الاستنتاج أن المعركة لإرساء مخطط «الحوض التاريخي» التوراتي وتثبيته، انتقلت إلى فصل جديد يهدف لإحكام السيطرة على البلدة القديمة، من خلال أكبر مداخلها المؤدية إلى المسجد الأقصى: باب العَمود أو بوابة دمشق! على هذه الخلفية، تشنّ شرطة العدو الإسرائيلي، بمساعدة المستوطنين، حملة مسعورة ضد الفلسطينيين منذ بداية شهر رمضان. الحملة تهدف بالأساس إلى إفراغ المسجد الأقصى من المصلّين بُعيد صلاة العشاء مباشرة، ومنع أي تجمّع في مدرجات باب العَمود. وقد بدأت حملتها في محاولات منع الأذان والدعوة لإقامة الصلوات، ثم منع التجمهر في باب العَمود لقضاء الليالي الرمضانية.
هذه الأهداف، قابلتها هبة الفلسطينيين في القدس من الذين أخذوا على عاتقهم إحباط المساعي الإسرائيلية، مهما كلّف الأمر. استخدم هؤلاء الشبان الحجارة والمفرقعات النارية وقبضات أيديهم لمواجهة عنف الشرطة، ما أدى إلى إصابة المئات واعتقال العشرات، إلى أن وصلت المواجهات إلى ذروتها ليلة أمس، بعد استقدام الشرطة تعزيزات مكثّفة، وتظاهر مئات من عناصر الجمعيات اليهودية الإرهابية عقب توجيه دعوات من أجل «الانتقام من العرب» و«إعادة الشرف والفخر اليهودي».
لم تنحصر المواجهات في ساحة باب العَمود، بل خرجت إلى شوارع البلدة القديمة ومحيطها، لتمتد إلى شارع يافا وحي الشيخ جراح، لتطاول أخيراً محيط «الجامعة العبرية»، التي أحرق الشباب الفلسطينيون الأحراج حولها، بعدما كسروا كاميرات المراقبة في شوارع القدس المختلفة.



نجاح الفلسطينيين أمس في إحباط هذه المساعي تبدّى في منع المستوطنين من الوصول إلى ساحة باب العَمود أو «استعادتها» كما أعلن هؤلاء، إذ أنه وبالنتيجة للمواجهة الشرسة من قبل الفلسطينيين، لم ينجح هؤلاء في الوصول إلى باب العَمود. أما بالنسبة إلى «استعادة الشرف والفخر اليهودي»، فقد قدّمت قبضات الشباب المقدسيّ «جرعة مكثفة واستثنائية من الإذلال» للمستوطنين، كما أسماها الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص.
أما بالنسبة إلى حضور منظمة «ليهافا» الإرهابية من أجل مساعدة الشرطة، التي لم تتمكن من حسم مصير باب العَمود، فقد تحوّل، بحسب ابحيص، إلى «عبء اضطُرت معه الشرطة إلى استقدام فرق الخيالة لتفريق المستوطنين عند باب الجديد، حيث كانوا يتجمهرون». وبعد تراجع الحشد، حاول المستوطنون العودة، غير أن «الفلسطينيين كانوا لهم بالمرصاد»، ووصلت الاشتباكات للمرة الأولى منذ خمس سنوات إلى حي الشيخ جراح، أحد أكبر الأحياء المهدّدة بالهدم والإخلاء في القدس.
لم تُحبَط الشرطة عند هذا الحد، فبعدما فشلت في منع الاحتشاد رغم التعزيزات الأمنية، انتقلت إلى محيط باب حطة، الذي أغلقته قبيل صلاة الفجر، في محاولة منها لتسجيل إنجاز بعد كل الفشل، ولكن مسعاها هذا فشل أيضاً، بعد إصرار المصلّين على كسر الحواجز الحديدية، وأخيراً دخولهم بالتكبير والهتاف. وفي هذا الإطار، اعتبر ابحيص أن «النجدة التي أرسلتها أم الفحم إلى الأقصى عند صلاة الفجر عقب تظاهرتها هي الأخرى في الليلة نفسها، كان لها أثر بالغ في كسر حاجز باب حطة وتشديدات الأقصى، إذ أنهم منعوا استفراد العدو بشباب القدس وشكّلوا رافداً بشرياً ومعنوياً في اللحظة المناسبة». ولذلك دلالات مهمة، أبرزها أن الفلسطينيين الذين تظاهروا في أم الفحم احتجاجاً على تفشي العنف والجريمة وتواطؤ الشرطة، يدركون أن القضية التي يتظاهرون لأجلها هي قضية وطنية لا تنفصل عما يحصل من اعتداءات على إخوانهم في القدس، أو أنها يمكن أن تشغلهم عما يحصل هناك.
ما حصل أيضاً بحسب الباحث في شؤون القدس، يقود إلى نتيجة مفادها بأن ما تحقّق على مدى الأيام العشرة الماضية، يؤكد أن «المحتل عاجز أمام الإرادة الجماهيرية، ولا بد من مواصلة فتح ساحة باب العَمود من دون شروط». ورأى أنه في حال «حضرت هذه العزيمة في الأقصى ومن حوله صباح الإثنين في 28 رمضان، فلن يتمكن الصهاينة المتطرفون من اقتحام الأقصى وأداء الطقوس التوراتية الجماعية كما يخططون، وسيكون يوماً جديداً من أيام عز القدس وأهلها، وهذا يجب أن يكون الهدف التالي بعد فتح ساحة باب العَمود».