اعتاد حزب الله والرأي العام اللبناني صدور قرارات بوضع أشخاص ومؤسسات تابعة لحزب الله على لوائح العقوبات الأميركية، لكنها المرة الأولى التي يصدر فيها قرار كهذا عمّا يسمى «مركز استهداف تمويل الإرهاب» الذي يضم بالإضافة الى الولايات المتحدة الأميركية كلاً من المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والامارات العربية المتحدة، في خطوة تصعيدية تحمل العديد من الدلالات السياسية وتؤشر على مدى التزام المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بالسير ضمن المشروع الأميركي لمحاصرة حزب الله وضربه.فقد أصدر»مركز استهداف تمويل الإرهاب» قراراً في 16 أيار 2018 يطال أعضاء مجلس الشورى وصنّاع القرار في حزب الله، وشمل القرار الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الشيخ محمد يزبك، السيد إبراهيم أمين السيد، السيد هاشم صفي الدين، المعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل، بالأضافة الى طلال حمية، وعلي شرارة وشركته «سبيكتروم للاتصالات»، أدهم طباجة وشركته «الإنماء للهندسة والمقاولات»، وحسن إبراهيمي وشركته «ماهر ترايدنغ». في الوقت نفسه، عمدت الخزانة الأميركية إلى إدراج كل من الشيخ نعيم قاسم، والسيد إبراهيم أمين السيد، والشيخ محمد يزبك، وحسين الخليل على لوائح العقوبات الأميركية «الأوفاك»، في حين كان الأفراد والكيانات الأخرى التي شملها القرار قد وضعوا سابقاً على لوائح الخزانة الأميركية.
يترك هذا القرار تأثيرات مالية وسياسية على الوضع اللبناني. فعلى الصعيد المصرفي، ستعمد المصارف اللبنانية، كما في السابق، إلى إقفال ما تبقى من حسابات تابعة للأشخاص الواردة اسماؤهم ضمن القرار، بالإضافة الى إقفال عشرات الحسابات التي تشتبه المصارف في أنها عائدة الى أشخاص أو جمعيات أو مؤسسات على تواصل مع من يشملهم القرار. وإذا كانت المصارف اللبنانية مضطرة الى الالتزام بما يصدر عن الحزانة الأميركية خوفاً من العقوبات المالية الأميركية، فما هو مدى التزام هذه المصارف بالقرارات الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي الهادفة إلى محاصرة حزب الله مالياً؟ وما هي قدرة دول مجلس التعاون الخليجي بالضغط على النظام المصرفي اللبناني في حال قرر عدم الامتثال؟ لا تملك دول مجلس التعاون الخليجي العديد من الخيارات الفاعلة على هذا الصعيد، إذ إن أسوأ الاحتمالات يتمثل في تشدد دول الخليج في ما يتعلق بتحويلات اللبنانيين العاملين في تلك الدول الى المصارف اللبنانية، مع العلم بأن تحويلات اللبنانيين من دول الخليج الى لبنان تبلغ حوالى 3 مليارات دولار أميركي سنوياً. كما أن من المُستبعد أن تعمد دول التعاون الخليجي الى التضييق بشكل مباشر على المصارف اللبنانية، إذ ينحصر عدد المصارف اللبنانية الموجودة في بعض تلك الدول بأربعة، هي بنك بيبلوس وبنك البحر المتوسط وبنك بيروت وبنك لبنان والمهجر، معظمها يوجد على شكل مكاتب تمثيلية. وعليه يبقى السؤال الأهم: الى متى ستبقى المصارف اللبنانية خاضعةً للإملاءات والضغوط الخارجية بحجة أن النظام المصرفي اللبناني يشكل العمود الفقري للاقتصاد في لبنان، وبالتالي لا بد من حمايته، ولو اقتضى الأمر التنازل عن السيادة المالية للدولة؟
على الصعيد السياسي، يأتي هذا القرار بعد أسبوع على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، وبعد يوم واحد من اتهام الخزانة الأميركية لحاكم البنك المركزي الإيراني وبنك البلاد الإسلامي في العراق بتسهيل نقل ملايين الدولارات لصالح الحرس الثوري الإيراني الذي يقوم بدوره بدعم حزب الله. وقد صرّح مسؤول الخزانة الأميركية ستيفن منوشن بأن قرار «مركز استهداف تمويل الارهاب» يأتي في سياق الجهود لمواجهة أفعال إيران وحزب الله المزعزعة للاستقرار في المنطقة. واتهم القرار مجلس شورى حزب الله بالعمل على إطالة معاناة الشعب السوري وتأجيج الصراع في العراق واليمن وتعريض الدولة اللبنانية والشعب اللبناني للخطر بتوجيهات من الحرس الثوري الإيراني.
من المتوقع أن يترك هذا القرار تأثيره على الوضع السياسي اللبناني، لا سيما على موضوع تشكيل الحكومة، إذ ستتذرع به بعض الأطراف اللبنانية للوقوف حائلاً أمام حصول حزب الله على حقائب أساسية في الدولة، وبالتالي عدم تعريض الحكومة اللبنانية للحصار والمقاطعة من قبل بعض الدول.
في المُحصِّلة، يُعتَبر قرار دول مجلس التعاون الخليجي سابقة خطيرة وتدخلاً فاضحاً في شؤون لبنان الداخلية يستوجب رداً على مستوى الحدث من السلطات في لبنان، ليس أقله استدعاء سفراء تلك الدول لإبلاغهم رفض لبنان لقرارهم وللتدخل في شؤون طرف لبناني يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين. حتى يأتي ذلك اليوم، سيبقى اللبنانيون بانتظار صدور لوائح جديدة.
*رئيس جمعية خبراء كشف الاحتيال المالي المُجازين - فرع لبنان


ما هو مركز «استهداف تمويل الإرهاب»؟
أُسّس مركز استهداف تمويل الإرهاب بموجب مذكرة تفاهم وُقّعت في 21 أيار 2017 بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية التي ترأس المركز بالتساوي مع الولايات المتحدة الأميركية، وبعضوية كل من البحرين وقطر وسلطنة عمان والكويت والإمارات العربية المتحدة بهدف مواجهة التهديد المُتصاعد لتمويل الإرهاب. يُمثل هذا المركز أداة تعاون بين الولايات المتحدة الأميركية التي تعهدت بوضع خبراتها في مجال مكافحة الإرهاب ودول التعاون الخليجي. وقد حُدّدت أهداف المركز بتتبُّع وتبادل المعلومات المُتعلقة بشبكات تمويل الإرهاب، وتوحيد جهود الدول الأعضاء، وتقديم الدعم الى دول المنطقة التي تحتاج الى مساعدة في بناء قدراتها على مكافحة تمويل الإرهاب. كما جاءت مذكرة التفاهم على ذكر حزب الله كأحد المُستهدفين من هذا التعاون.