وتأتي هذه الخطوة، التي تطال الجيش اللبناني بالدرجة الأولى، لتنبئ بمسار تصعيد بدأت به أميركا في لبنان. ولأن التنسيق عال بين الجيش والأميركيين، فقد فُسّرت هذه الخطوة بكونها محاولة للتأثير في المسار الحكومي، لا سيما لناحية رفض إشراك حزب الله في الحكومة، عبر التلويح بأن واشنطن ماضية في مواجهة حزب الله، ولو كان ذلك على حساب هز الاستقرار اللبناني.
ويأتي هذا الإعلان في وقت حاولت الولايات المتحدة أن تبدي حرصها على عدم التدخل في مسار الأحداث في لبنان، إذ سرّبت عبر قناة «ام تي في» أن «أميركا كانت بصدد إصدار عقوبات جديدة على حلفاء لحزب الله إلا أنّها أجّلتها كي لا تفسّر على أنّها تدخّل في الشأن اللبناني».
حكومياً، كانت زيارة الوزير علي حسن خليل إلى بيت الوسط، أمس، فاتحة عودة التواصل بين «معسكري» الحكم، في سبيل تشكيل حكومة جديدة.
وقد خرج خليل بخلاصتين، الأولى إن الحريري راغب بالعودة إلى رئاسة الحكومة والثانية بأنه يميل إلى حكومة تكنوقراط. لكن في المقابل، فإن الجو العام لدى 8 آذار، صار ميّالاً إلى عدم قبول هذه الحكومة، مع استعداد لمناقشة حكومة سياسية مطعّمة بوجوه تكنوقراط، انطلاقاً من أن المرحلة المقبلة ستشهد تحديات سياسية عديدة، ولا يمكن، بالتالي، مواجهتها بحكومة لا تملك قراراً سياسياً.
أما بالنسبة لاسم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فلم يحسم الرئيسان ميشال عون ونبيه بري وحزب الله مسألة تسمية الحريري، بالرغم من تيقّن الجميع أن حظوظه هي الأعلى. ولا يتعلق هذا الموقف، بحسب المعلومات، بمحاولة الاتفاق على صورة الحكومة المقبلة قبل الخوض في التسمية، بل يتعلق بالموقف من الاستقالة نفسها، والتي يعتبر بري أن الحريري خذله عندما أعلنها، فيما يذهب عون وحزب الله إلى اعتبارها طعنة في الظهر.
وفي ما بدا واضحاً أن عون يتريث في الدعوة إلى الاستشارات النيابية، ريثما يتم الاتفاق على صورة الحكومة، فإن مصادر مطّلعة أكدت أن النقاش يتعلق بخطوات أبعد من تشكيل الحكومة أيضاً. أما مصادر قصر بعبدا، فقد أشارت إلى أن التأخير يعود إلى الرغبة في إعطاء الكتل النيابية الفرصة لتحديد موقفها، مؤكدة أنها لن تتأخر عن الأسبوع المقبل. وأفضت المشاورات أمس إلى تأجيل حسم موقف حزب الله وحركة أمل، بعدما وعدهما الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر بتقديم اسم تنطبق عليه صفة «تكنوقراط»، لدرس إمكان تبنّيه من تحالف 8 آذار - التيار الوطني الحر.
الحريري ينتظر التكليف ممن «طعنهم» في الظهر
في مقابل الصراع على شكل الحكومة ووجوهها، كانت مجموعات الحراك الشعبي تؤكد على مطلب «حكومة الإنقاذ المدنية» من خارج أحزاب السلطة القائمة.
إلى جانب النقاشات المرتبطة بتشكيل الحكومة، ركّز خليل في الاجتماع مع الحريري على العراضة التي نفذها المستقبل في المناطق اللبنانية أمس. رئيس الحكومة المستقيل أعاد تأكيد عدم مسؤوليته عما حصل، وقال إنه أعطى تعليماته للاجهزة الأمنية بمنع تكراره، وبتوقيف أي متورط. لكن في المقابل، فإن القناعة كانت جليّة بأن من يتحمّل مسؤولية قطع الطرقات هو الحريري في الشمال والبقاع وطريق الجنوب، والقوات اللبنانية في جل الديب، وان هدفهما الضغط باتجاه إعادة تكليف الحريري تأليف الحكومة بشروطه. وأبدت أوساط متابعة خشيتها من أن يؤدي ذلك إلى شارع مقابل شارع، خصوصاً أن قواعد حركة أمل وحزب الله بدأت تضغط على قياداتها للتحرك في وجه قطع طريق الجنوب الذي يشكل إغلاقه استفزازاً كبيراً للحزبين ولجمهورهما.
ودرءاً لأي احتمال من هذا النوع، حذّر الرئيس ميشال عون، في كلمة ألقاها في الذكرى الثالثة لانتخابه، من استغلال الشارع في مقابل شارع آخر، معتبراً أنه «أخطر ما يمكن أن يهدد وحدة الوطن وسلمه الأهلي، ويقيني أن أحداً لا يمكنه أن يحمل على ضميره وزر خراب الهيكل». ودعا عون الكتل السياسية إلى تسهيل ولادة الحكومة الجديدة.
عون: لحكومة منسجمة لا تعرقلها الصراعات السياسية
وقال: «ان الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم اولا ثم ثقة ممثليهم في البرلمان، وان تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمسّ الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها». وفيما اعتبر عون التحركات الشعبية المطلبية والعفوية محقة، توجه الى اللبنانيين الذين شاركوا بالاعتصامات وخصوصاً منهم الشباب بالقول: «على الرغم من كل الضجيج الذي حاول ان يخنق صوتكم الحقيقي ويشوش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من ايصال هذا الصوت الذي صدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة». واضاف: «امامنا واياكم عمل دؤوب لاطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية لاقناع من يجب اقناعه بأهميتها وضرورتها».
وفي محاولة لاستثمار نتائج الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ 15 يوماً، اعتبر المكتب السياسي لتيار المستقبل، في الاجتماع الذي ترأسه الحريري، أن الحراك «حقّق نقلة نوعية في المسار الوطني اللبناني ونجح بقوة في تخطي الاصطفافات الطائفية وحواجز الولاءات العمياء». وكما لو أن الحريري لم يكن من الذين طالب الحراك باستقالتهم، قال بيان المكتب السياسي إنه «يتطلع للنجاحات المطلبية والسياسية الوطنية التي حققها الشباب اللبناني في كل الساحات». كما حيا التيار سلمية التظاهرات، برغم «محاولات ميليشيوية للإساءة إليها وإخراجها عن توجهها الوطني وتطييفها».
«المستقبل» يجيّر «إنجازات» الحراك إليه!
وفي بيان، إثر اجتماعها الدوري، أشارت كتلة «الوفاء للمقاومة» إلى وجود «تساؤلات مشروعة فرضتها استقالة الحريري، سواء حول الاسباب الحقيقية والمبررات، أو حول التوقيت، أو حول الاهداف والمرامي التي جرى توسل الاستقالة لإنجازها». وفي ضوء ما تشهده البلاد من تردّ نقدي واقتصادي، رأت الكتلة أنه «مهما قيل عن الاعتبارات التي استند إليها رئيس الحكومة لتبرير استقالته، فإن هذه الاستقالة ستسهم في هدر الوقت المتاح لتنفيذ الاصلاحات، ولاقرار الموازنة العامة للعام 2020، وستزيد من فرص التعقيدات للدخول على خط الازمة». وأملت الكتلة أن «تسلك الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف مسارها الطبيعي من أجل الشروع بتشكيل حكومة نزيهة وذات صدقية وقادرة على النهوض بالمهام المطلوبة منها، سواء لناحية تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي، أو لناحية تعزيز روح الوفاق الوطني، والتصدي بحزم لملفات الفساد والفاسدين». وجددت دعوتها إلى «أوسع حوار وطني ممكن بين كل المكونات والقوى السياسية وشرائح المجتمع اللبناني لأن التفاهم الوطني هو المدماك الاساس لاستقرار البلاد وتنمية اوضاعها».